Lettre ouverte
Version arabe de la lettre ouverte adressée au président de la CNRI (Commission Nationale de Réforme des Institutions).
رسالة مفتوحة
باب
شيخ جمبرا ساخو
كاتب - ناشر
البريد الإلكتروني: pcsj2003@yahoo.fr
الاتصال
بالانترنت: papacheikh-jimbirasakho.com
دكار، في 30
يوليو 2013م / 21 رمضان، 1434هـ
El Hadj
Saïde Ba :ترجمة
رسالة مفتوحة إلى
السيد رئيس " اللجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات"
السيد الرئيس،
نتقدم إليكم بتهانينا الصادقة
لاختياركم رئيسا للجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات. ونتمنى لكم نجاحا باهرا في هذه
المهمة النبلية التي أسندها إليكم فخامة رئيس الجمهورية.
هذا ونريد من خلال هذه الرسالة، بكل
تواضع، أن نلبي نداءكم الرسمي الذي وجهتموه إلى "كافة شرائح الشعب"
للمشاركة في هذه المشاورة الوطنية التي تستهدف استخلاص وجهات نظر المواطنين وآرئهم
ومقترحاتهم في التعديلات المستحدثة في دستور البلاد حتى يعكس المشاعر والطموحات
العميقة لجموع المواطنين ".
ولقد حدد رئيس الجمهورية في الرسالة
التي بعث بها إليكم أنه يتعين أن يقود إصلاح المؤسسات في نهاية المطاف إلى إعادة
بناء الجمورية السنغالية. وبناء على ذلك فاللجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات حددت
لنفسها مهلة ستة (6) أشهر لإنهاء مهمتها، وتقديم نتائج مشاوراتها لرئيس الجمهورية،
بغية تنظيم استفتاء وطني على هذا الأساس.
السيد الرئيس، عند اختتام خطابكم في
افتتاح الجلسات الوطنية المشهورة في '3 يونيو 2008) ابتهلت بهذا الدعاء: وفقنا
الله وسدد حظانا"، وأتمنى بكل قلبي أن يتقبل الله هذا الدعاء ويتحقق في نهاية
أعمال هذه المشاورة الوطنية التي تمثل الجولة الثانية للجلسات المذكورة أعلاه.
ورغم أن نداءكم الجديد يوقظ آمالا
جسيمة فينا، إلا أنه يثير في نفوسنا كذلك تخوفات، ومنها على سبيل المثال موقف
الحزب الديمقراطي السنغالي (PDS) الذي يندد بـ
"الغموض الذي يحيط بطريقة تسيير اللجنة"، علما بأن هذا الحزب كان قد
قاطع أعمال الجولة الأولى التي تمت عندما كان في سدة الحكم رغم الدعوة الرسمية
التي وجهتموها لرئيسه الذي حل محله الرئيس الحالي. ومن الجدير بالذكر أن الجلسات
التي كنت تديرها قد انعقدت بمبادرة من تجمع واسع نتيجة تحالف أحزاب من المعارضة
تحت اسم: "جبهة إنقاذ السنغال" (FSS)
السيد الرئيس، إذا كان اختيار رئيس
الجمهورية قد وقع على شخصيتكم المحترمة لرئاسة هذه اللجنة الوطنية لاستقطاب عدد
كبير من السنغاليين للمشاركة في الأعمال، فلا نرى ذلك لبقية أعضاء هذه الهيئة.
أفلا نتساءل مثلا لماذا نجد أن نصف الأعضاء تقريبا ستة (6) من خمسة عشر (15)،
بالإضافة إلى المقرر الرئيس من القضاة، وأساتذة القانون أو دعاة الدفاع عن حقوق
الإنسان. ثم يليهم عددا أساتذة الفلسفة (2)، وواحدة من دعاة تحرير المرأة، وواحد
من رؤساء إحدى الجمعيات الوطنية السنغالية الماسونية".
السيد الرئيس، يتعين في مثل هذه
المشاورات الوطنية، أن نجد تمثيلا أوسع وذا توجهات متنوعة، بحيث يمثل طموحات وآمال
جماهير شعبنا العريض، يشارك في أعمال الفريق المنوطة بها قيادة الأشغال التي قد
تفضي إلى إصلاح المؤسسات لإعادة بناء الجمهورية السنغالية. ولتحقيق آمال شعب يمثل
المسلمون فيه أكثر من 97 %، فهل هناك اختيار أفضل وأليق من تعيين ممثل لخليفة الطائفة
المريدية، والطائفة اللايينية، والطائفة التجانية، والأئمة والعلماء، والجمعيات
الإسلامية الكبيرة في البلاد؟ والجواب بكل تأكيد هو: لا.
نعم، صحيح أنه، خلال فترة الاستعمار والاستعمار الجديد المشؤوم،
كان المواطنون المثقفون بالثقافة الفرنسية، الذين تربوا جميعا تقريبا على فلسفة
الغرب القائمة على الاستخفاف بالأخلاق الشائعة والتقاليد العامة التي كان يتبناها
المستعمر الفرنسي، كانت تلك الفئة تسيطر على مقاليد الأمور وتسيرها كما يحلو لها.
وهذا الموقف المستخف هو الذي يفسر المعاملة الدونية التي ينتهجونها تجاه المثقفين
بالثقافة العربية. خصوصا أن المثقفين المستعربين، والخلفاء العامين،
و"المنفردين" للطرق، والأئمة والعلماء، وبعض الشخصيات الإسلامية الآخرى
الذين يتغيبون، في غالب الأحيان، عن الحلبة السياسية، ومراكز اتخاذ القرارات، حيث
تقرر التوجيهات الكبرى لتقرير مصير البلاد. مع أن جماهير المسلمين يرون في
المثقفين بالثقافة العربية الإسلامية ورثة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وينتظرون
منهم أن يكونوا في طليعة صفوف النضال السياسي لتحقيق آمالهم الحقيقية. ولكن للأسف
الشديد فمعظم هؤلاء، خصوصا فئة الخلفاء المذكورين أعلاه، فلا هم لهم إلا التمتع
بعطايا السلطة السياسية الحاكمة التي تستعمل كل الحيل
والمكائد لتغدق عليهم بالهدايا والأموال وجميع الامتيازات لوضعهم على هامش جميع
القرارات الحاسمة المتعلقة بالشأن العام.
وعند النظر في أعضاء اللجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات، فلا
يتطلب الأمر البرهنة على أن أساتذة القانون والفلسفة هؤلاء ليسوا متخصصين في فلسفة
أصول الدين أو الشريعة، بل هم محترفون في الفلسفة الوضعية والقانون الوضعي
الفرنسي. كما أننا نراهن على أن العديد من مواطنينا يجهلون أن "هيئة مالطا
العليا" تنتمي إلى عوالم وقيم ذات صبغة مسيحية وماسونية؛ ذلك أن تلك الجزيرة
كانت إحدى الأراضي التي احتنضت منذ البداية "أخوة أبناء الأرملة" التي
كان معظم أعضائها الأساسيين من محترفي القانون الوضعي (قضاة، ومحامين وغيرهم)
وفلاسفة متحررين.
السيد الرئيس، قبل أن نتحدث عن "دعاة تحرير المرأة"
لنقل كلمة عن فلسفة دعاة حقوق الإنسان وعلاقتها التوأمية بالماسونية.
عن "دعاة حقوق الإنسان"
وجدير بالذكر أن "جامعة حقوق الإنسان" كانت، منذ
إنشائها، إحدى معاقل الماسونية. ومن نافلة القول أن الشعار الشهير "بالبيان
العالمي لحقوق الإنسان" العمل الأساسي للقانون الدولي المعاصر، هو الذي
اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1948 بالعاصمة الفرنسية،
فقليل من الناس من يعرفون أنه خلال أعمال الورشات التي تمت في محفل "تيليم - Thélème"
الماسوني بباريس، حيث أعدت الاحتفالات المائوية لثورة 1789 التي عُلك فيها بنودها
مرارا وتكرارا.
ودون أي تنازل
لإيديولجية دعاة حقوق الإنسان العلمانية، فإن "جامعة دعاة حقوق الإنسان"
تحظى بوضع استشاري لدى الأمم المتحدة، مما جعلها مختبرا من المختبرات التي تعد
فيها قرارات أهم الهيئات التابعة لنظام الأمم المتحدة، خصوصا الجمعية العامة، ومجلس
الأمن، ومحكمة العدل العليا.
السيد الرئيس، بناء على المواصفات الثقافية والمهنية لمعظم
أعضاء اللجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات، يمكن للمرئ أن يتوجس خيفة من إرادتهم
وقدراتهم العقدية لإدارة مشروع إعادة البناء الجمهوري لبلد يتجاوز عدد المسلمين
فيه 97 %. إن
استبعاد المورد الثقافي الوطني الخبير بأصول الدين والشريعة الإسلامية، وإحلال
أساتذة الفلسفة المتشبعين بالمبادئ الماسونية ومزاعم تحرير المرأة وقضاة وأساتذة
حقوق الإنسان المزعومة ذوي التفكير المتحرر، محله، فذلك حقا يثير الدهشة
والاستغراب لدى أغلبية السنغاليين الذين يرجعون إلى المبادئ الإسلامية.
في المجلد الثاني من "موقف من الماسونية" من مؤلفنا
الأخير "موقف" الذي كان محوره "النصب التذكاري للنهضة
الإفريقية"، عند الحديث عن "المشاورات الوطنية" قلنا بأن "المشاورات
الوطنية" كان بإمكانها أن تكتسي مزيدا من المصداقية لو تجرأت وأدرجت هذه
النقطة ضمن المطالب المدونة في الميثاق. إلا أن هذا الاحتمال كان مستبعدا إذا
أخذنا في الاعتبار العداوة التي يكنها دعاة العلمانية لمثل هذه الفكرة، خصوصا أن
العلمانية تمثل الوسيلة الدستورية التي توفر للماسونيين فرص ارتكاب مغالطاتهم دون
مساءلة. وطبقا لاستراتيجهم التقليدية المبنية على التسلل، فلم يلتمسوا أي طلب
للانخراط في صفوف هذه الهيئة للدفاع عن مصالحهم. وعند النظر في قائمة المترشحين
للانتخابات الرئاسية القادمة في شهر فبراير 2012، يمكن القول بأن خليفة الرئيس
الحالي الماسوني قد يكون عضوا نشطا أو خاملا في الحركة الماسونية" (ً ص:
260-262).
إن "المطلب" هو منع القضاة من الانضمام للجماعات
السرية. وقبل تلك الفقرة بأسطر، قلنا: "(...) وبخصوص مدى ملاءمة اليمين الذي
ينطق به الماسوني والذي ينطق به القاضي عند تعيينه، وخاصة في الوقت الذي تتزايد
فيه التجاوزات القضائية الماسونية، فقد قام بعض الدول الأوروبية بسن قوانين بهذا
الخصوص. بل في إيطاليا يمنعون من الانضمام إلى الجمعيات السرية، وفي بريطانيا
العظمى يطلب منهم أن يبينوا ما إذا كانوا أعضاء أم لا في الحركة الماسونية. (...)
وبطبيعة الحال ففي بلد "البنت البكر" الإفريقية للماسونية الفرنسية
(السنغال)، فالمسلمون والمسيحيون، لا يمكنهم إلا أن يصفقوا لكل قرار يحد من انضمام
زعماء السنغال وقضاته إلى زمرة الماسونيين. ومن المؤكد أن العديد من السنغاليين
الذي صوتوا لصالح عبد الله واد عند ترشحه لرئاسة الجمهورية، ما كانوا سيمنحونه
أصواتهم لو كانوا يعرفون أن مخترع التضليل الإفريقي عضو في الماسونية
الدولية"
السيد الرئيس، اسمحوا لي بأن أقول كلمة عن العلاقة النسبية
والديالكتية القائمة بين "الماسونية"، "وحقوق الإنسان" و "تحرير
المرأة".
وللتطرق إلى هذا الموضوع، فلا نجد من هو أفضل من ماريا ديسرميس
(Maria
Desraimes)، مؤسسة المحفل المختلط "حقوق
الإنسانية" وأول امرأة انضمت إلى الماسونية.
ولكن، قبل المضي، نوضح أن عددا كبيرا من داعيات تحرير المرأة
المنتميات إلى حركات حقوق الإنسانية ينتقدن "الاستثناء الفرنسي" القائل
"حقوق الإنسان" بدلا من "حقوق الإنسانية". ذلك أنه من الجدير
بالتذكير أن التعبير الإنجليزي "Human Rights" الذي لا
يفرق بين جنس وجنس هو المدون في النص الأصلي للبيان الدولي لحقوق الإنسان عام
1948. وبطبيعة الحال فالانتقادات موجهة
خاصة إلى "جامعة حقوق الإنسان" حيث تطالبها داعيات تحرير المرأة بتغيير
اسمها وتبني اسم "جامعة حقوق الإنسانية" على أساس أن التعبير الأول يحمل
في طياته رائحة تفريق جنسي قد يؤدي إلى التمييز بين الرجل والمرأة. أما بالنسبة لـ
"جامعة حقوق الإنسان" فالرجوع إلى " البيان العالمي لحقوق الإنسان
والمواطن" والثورة الفرنسية باعتباره مرجعا يعتبر أمرا حيويا وأساسيا لقيمته
التاريخية.
ونشير كذلك إلى أنه باسم (Francis de Pressensé) تم عام 1905 إصدار رخصة "إعلان جمعية" باسم
"الجامعة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطن". وسوف نعود إلى هذا اللوبي
البرلماني الماسوني الفرنسي، الذي كان له دور أساسي في صدور القانون الشهير
"قانون الفصل بين الكنيسة والدولة".
لنعد مرة أخرى إلى سلطان "حقوق الإنسانية".
إن هذه الفئة المناهضة للكنسية والمدعية تحرير المرأة، هي
الهيئة الوحيدة المهمة التي تقبل في محافلها تواجد الرجال والنساء معا، وتضم آلافا
من الماسونيين الموزعين في مائة وخمسين (150) بلدا، ويتعاطون طقوسا متنوعة.
إن ماريا ديسريمس (Maria Desraimes)
بوصفها أم الماسونيات، تم استقبالها محاضرة في "محفل كبار الماسونيين
بفرنسا" عام 1866، ولكن لم تستقبل بوصفها عضوة إلا في 14 يناير 1882 في محفل
"المفكرون الأحرار" ببلدة بيك (Pecq). فهذا الحدث،
باستثناء وضع السيد ألدوورث (Aldworth)، كان فريدا من
نوعه حيئذ في نظام الماسونية.
فهذه المرأة السلتية قد ولدت في أسرة عريقة في الماسونية، أبا
وإخوة، وقد تلقت تدريبا شاذا عام 1732 في المحفل 44 من "المحفل الكبير"
في إيرلندا بالمحفل الماسوني المشرقي لدى دوقة كورك (Cork).
ومن الجدير بالذكر أن الماسونية كانت منذ البداية تفضل أن
تستقطب الرجال، المادة 3 من "دستور أندرسون"، حيث ينص: يتعين على أعضاء
محفل ما: " (...) أن يكونوا رجالا كرماء وأمناء، وأحرارا وبالغين ويكتمون
الأسرار، وألا يكونوا أرقاء أو نساء أو رجالا ذوي أخلاق سيئة، بل رجال لهم سمعة
طيبة".
وهذا ما يفسر ظهور المحافل الثانوية. وهذه المحافل التابعة
التي اسنحدثت خصيصا للتخفيف من الانتقادات الموجهة للإخوة ذوي التوجه التحرري، بدأت
تختفي حتى أفل نجمها في القرن التاسع عشر.
بادئ ذي بدء، نأتيكم بـبـعـض المعـلومات المهمة لأجل الانتباه.
وعلى هـذا الأساس، علينا بالذكـر أنَّ أنصارَ "الحـق الإنساني" (Droit Humain) أنشأوا نظامَ الماسوني المختـلط الدولي المعـروف بــ "الحـق
الإنساني" الذي تمّ انتشاره في كـثير من البلدان. وهـؤلاء الأنصار
يـدّعـون أنهـم يهتمّون بالقضايا المتعـلقة بالنساء والجنـس كـقـضية الاختلاطية (mixité)
والتساوي بين الرجل والمرأة (parité) وكذلك الجنسية
الطليقة (sexualité
«libre») والبغاء (prostitution).
وفـي هـذا الصدد، انـتـشر ذلك النظام الماسونيّ أولا في بريطانيا حيث أُسِّـسَ أوّلُ محفلٍ ماسونيٍ في 26
سبتمبر 1902. وإنه، لقـد لعـبت أني بيسنت Annie Besant
دورا مهما في هـذا التأسيس. وهـذه الأخيرة هـي مفـكـرة حـرة مشهورة في بريطانيا.
وجدير
بالذكر، أن السيدة مـاريا درسميس Maria Deraismes والمـفكـر
الماسوني الحر لون ريشـر Léon Richer هـما اللذان
أسّـسا "جمعـية حـقوق النساء" سنة 1869. ثـم، في سنة 1878، قاما
بتأسيس "جمعـية تحسين وضـع النساء". والسيدة مـاريا درسميس Maria Deraismes هـي مناصرة حركـة نسائية اجتماعـية في بداية إنشاء تلك الحـركة
تحت ظل الجمهورية الفـرنسية الثالثة (1870-1940).
وتجـدر
الإشارة إلى أن " جمعـية تحسين وضـع النساء" سـبّـبـتْ، فـعـلا،
نشأة "الرابطةِ الفـرنسية لحـقوق النساء"، وذلك في سنة 1882. وفي
سنة 1891، نشأ "اتـحـادُ المجـتـمعـات النسوية الفرنسية". بعـد
وفـاة السيدة مـاريا درسميس Maria Deraismes في أوائل فـبـرايـر
1894، تولى منصبها جورج مارتين Georges Martin الذي قـام
بقيادة مجموعـة "الحقِّ الإنساني" بالتعاون مع بعـض الأخـوات (Sœurs)[1]. وتأسيسا عـلى ما
سبق، واجب عـلينا أن نشير، بقوة، إلى أن الكـفـاح لأجـل حـقوق النساء يخصص العمل
الجهادي لِــ"لْحـقوق الإنسان"، حتى في سنة 1914م، والكـفاح
لتحسين وضـع المرأة ما يزال يتابع حتى بعـد الحرب العـالمية الثانية، أي في
السبعـينات. على وجـه الخصوص، لـقـد شارك في متابعـة الكـفـاح تشديدُ المرافـعـات
المتعـلقة بالجنسية عـلى غـرار إجهاض الحمل عـمدا ومنـعه وكـذلك البغـاء. ومـع
ظـهـور الألفية الجـديدة، كانت تلك المرافعـاتُ تخصّ أمورَ الحياة الزوجية
وعـلاقةَ القَـرابة، كما تهتـمّ أيضا بقضايا التـبنّي (adoption)
وذوي القَـرابة المشـتـركة (homoparentalité)، والولادة
المساعـدة طبيّا (procréation
médicalement assisté)، والنساء الحوامل
عـن طريق غـير مباشـر (mères porteuses)، والاستنساخ (clonage)،
ومعاشرة المرأة بصورة غـيـر شرعـية (concubinage)، والشذوذ
الجنسي (homosexualité)، والسِّـحاقـية (lesbianisme)، والعـهود
المدنية للتضامن الأخـوى.
فخامة الرئيس، اسمحوا لـنا بأن نـتحـدّثَ، عـبْـر هـذه الـرسالة، عـن
العـلاقات الأساسية بين "الماسونية" وبين "الحـقوق
الإنسانية" وبين "الشذوذ"، قبل أن نـتابـع رسالتـنا
هـذه.
فيما
يخـص موقـفنا من الماسونية، قـد خصصنا بابا حول موضوع "الماسونية والشذوذ
الجنسي"، حيث قمنا بالتحليل العميق اعتمادا عـلى الإخـوانية الماسونية
الفـرنسية المعـروفة بــ "أطفال كمبسريس" (Les Enfants de Cambacérès).
نقـول
في البداية، إنه منذ رئاسة الـرئيس ليبولد سيدار سـنغـور Léopold Sédar Senghor، كانت دولة السنغال تعـتمد دائما على "الإخـوة"
و"الأخوات" (Frères et Sœurs) من بين كبار
الشخـصيات في الحكومة. فعـلا، لنا دليل قاطـع في الفضائح المعـروفة بــ "غـي"
(Gay) التي زلـزلتْ السنغال في السنوات المنصرمة.
فضائح "اللواط " في السنغال
شهدت السنغال تحت نظام" ألترناس"
(التناوب السلمي على الحكم) أكبر فضيحة جنسية شذوذية في تاريخها. خاصة في القضيتين
الشهيرتين المعروفتين بـ " فضيحتي امباو " حيث اتهم بعض الأشخاص بالشذوذ
الجنسي والخلقي، ولكن تم الإفراج عنهم أخيرا نتيجة ضغوط شديدة من اللوبيات الشذوذية
العالمية.
القضية الأولى حدثت في فبراير 2008،
حينما فوجئ بعض الشاذين يحتفلون بعقد نكاح فيما بينهم في أحد مطاعم باتي امباو
(إحدى ضواحي داكار)، وباختراق من عناصر إدارة التحقيقات الجنائية مع صور واعترافات
تم إلقاء القبض عليهم وإدانتهم ثم الإفراج عنهم جميعا، بسبب ضغوط مكثفة من جماعات
الضغط تلك.
وقد حدث الشيء نفسه في ديسمبر من العام
نفسه، عندما ألقي القبض من جديد على تسعة من الشاذين. وبعد شهرين من محاكمتهم
وسجنهم أطلق سراحهم نتيجة ضغوط أخرى أشد من رعاتهم في فرنسا. وذلك بعد
أن صدر الحكم عليهم، في 7 يناير 2009، بالسجن ثماني سنوات
بتهمة ارتكاب جريمة " الشذوذ الجنسي والأعمال الفاحشة والتواطئ
على الجريمة ". وقد أثارت هذه القضية ضجة كبيرة في عالم الشاذين، الذين بتحركاتهم المكثفة ومساعيهم السريعة،
تمكنوا من إقناع السلطات الفرنسية بجعل هذا الحدث قضية دولة. وبذلك استطاعوا أن يرفعوا كافحهم إلى أعلى مستوى من محافل القوة
الوردية "القيادة الفرنسية" وأن يدرجوا فيه منظمات حقوقية مشبوهة مثل
" منظمة العفو الدولية "
و" هيومن رايتس ووتش " و" الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH) وغيرها. وكان المجرم الرئيسي في هذه
القضية الدنيئة الأمين التنفيذي لمنظمة "المعونة السنغالية " الذي سارع أسياده إلى طلب تدخل روزلين باشلو، وراما ياد، وكارلا
بروني ساركوزي، زوجة رئيس فرنسا السابق.
والدليل على أنهم جعلوه قضية الدوة، اتصال روزلين باشلو وزيرة
الصحة، أولا، بنظيرها وزير الخارجية، قبل أن تطرح المسألة في اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي،
وذلك من أجل تدخل سريع ومكشوف من طرف المستعمر الجديد (فرنسا) تجاه سلطات مستعمرته
السابقة (السنغال). هكذا، حتى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لم يستطع ضبط أعصابه، بل سارع إلى التعبير عن "تعاطفه
وقلقه" تجاه هذه القضية!
هكذا، وبطبيعة الحال، فإن هذه المعركة التي تخوضها القيادة
الفرنسية لم تكن لتترك أذنابها في المستعمرة السابقة جانبا، ولذلك كانت في مقدمة
ركب المظاهرات الوطنية المنظمات المكافحة ضد الإيدز، التي تعتبر وكر الشاذين، وحلفاؤهم الطبيعيون: الجمعيات النسوية
والحقوقية التي في تأهب دائم لتنفيذ أوامر رعاتها ومانحيها من الغرب. وكانت "هيومن
رايتس ووت" منظمة غير حكومية على رأس الحملة الإعلامية، حيث أصدرت تقريرا
بعنوان " الخوف من أجل الحياة: العنف ضد الشاذين في السنغال". وفي هذه
الوثيقة أعطت المنظمة الكلمة إلى الشاذين
السنغاليين، المزعومين بأنهم ضحايا العنف من جيرانهم أو من طرف الشرطة.
وبطبيعة الحال، ينضم إلى صراخ هذه المنظمة " هيومن رايتس ووتش
" نبح أتباعها الحقوقيين المحليين، وهم نموذج لـ "صوت السيد". ومن
بينهم الأمين العام لـ " الملتقى الأفريقي للدفاع عن حقوق الإنسان" (RADDHO). في هذه المعركة، كان
هدف السلطات الشذوذية على المدى القريب انتزاع آليات قانونية
من مجلس حقوق الإنسان لتمكين أعضائها من تقديم
أي قضية يعتبرونها" انتهاكا لحقوق الإنسان " إلى القضاء، وذلك استنادا
إلى مبدإ حرية " الخيار الجنسي" و " الهوية الجنسية ". ومن الواضح
أن هذا هو أبرز إجراءات الإمبريالية الغربية في سعيها لفرض العلمانية على الثقافات
الأخرى في العالم، وعلى وجه الخصوص، في ديار الإسلام.
السيد الرئيس، اسمحوا لي الآن بمناقشة وضع الحركات النسوية.
من النسوية
بعد نشاط المستنخبات للحصول على حق المرأة في
الانتخاب بشكل منظم، انطلقت الحركة النسوية المعاصرة حقيقة من الولايات المتحدة
الأمريكية، وتشكلت مع حركة (beat) التي أسسها ألين جنسبرج الشاعر الأمريكي الطليعي، وكذلك
حركة الحقوق المدنية أحد العناصر المبشرة بضد الثقافة المشهورة في الستينات،
العبارة الحادة في أزمة الحضارة التي عرف مجدها في مايو68. ومن السنة 1952م بدأ
إعلان المبادئ في هذا الصدد مع سخرية (سلمان جونس) " مكان للمرأة "،
وخاصة مع منظمة المرأة الوطنية التي أظهرت بها الحركة بعدها السياسي، وعلى سبيل
المثال، مظاهرة (برغاد جانات راكين) في شارع واشطون ضد حرب فيتنام.
وكأهم بقية العناصر المكونة لضد الثقافة.
فالنسوية أخفقتها الطبقة المتوسطة الأمريكية من البيض، وفي فرنسا كانت الناطقة
باسمها (سيمون دى بوفار) عشيقة (جان بول ساتر) التي برزت في 1949م
بإصدار كتاب" الجنس الثاني"، ومع ذلك استمر الكفاح ضد الانفرادية
والظلم، النسوية كحركة مطالبة الحقوق المشروعة ما جعلها تستحق كل الاحترام، وخاصة
انتصاراتها التاريخية في الحقوق السياسية الاجتماعية والاقتصادية التي نالتها،
بتضحيات جسام، تستحق الإشادة على مستواها.
وفي الحقيقة، كانت المطالب الأساسية لأولى
النسويات الأوروبية من أجل الحقوق الاقتصادية وحيازة ممتلكاتهن بكل حرية، وحصول
الراتب الخاص. ففي انكلترا مثلا رغم أول توافق أجرته النسوية 1855م، فأول
قانون يعترف للمرأة المتزوجة حق التملك وحيازة الراتب إنما تم التصويت عليه في
1882م.
أما المرأة المسلمة فقد تمتعت بهذا الحق منذ أكثر
من ألف وأربعمائة عام، وكان لها حق التملك وإدارة أمورها الشخصية التي خولتها لها
الشريعة؛ وعلى سبيل المثال، حق التملك الخاص، يقول المولى (جل وعلا) "للرجال
نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل
منه أو كثر نصيبا مفروضا"، سورة النساء، الآية:07 والحقيقة، لم يخضع الإسلام
للضغوط الخارجية في تشريعاته لحقوق المرأة في حق التملك وإدارة شؤونها التجارية
والمالية. ويمكن التذكر أن خديجة بنت خويلد وزينب بنت جحش زوجتا النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) كانتا قياديتين صناعيتين كبيرتين، وكما أن عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه) ولى في خلافته الشفاء بنت عبد الله منصب مراقبة
سوق المدينة عاصمة الإسلام آنذاك.
بينما خرجت المرأة الغربية تلبية لمطالب قانون
الثورة الصناعية لزيادة الانتاج من أجل مصلحة الرأسمالية. فالحقوق المشهورة التي
يفتخر بها الناس: حق العمل والتملك والأمن الاجتماعي، وحق التمدرس والتعبير،
والحقوق الأخرى السياسية وغيرها، كحق التصويت، نتجت عبر صراع مرير، وليست لرد
اعتبار المرأة، وإنما لمطالب النمو الاقتصادي والتقدم المادي والرأسمالي.
وإذا رجعنا إلى الشعار المثير" تساوي
الرجل والمرأة " لابد من الاعتراف بأنهم بعيدون جدا عن وعودهم في دول
حقوق الانسان؛ وفي بداية الألفية الثالثة تجد " الزيجة الفرنسية "
بأن المرأة هي التي تقوم بأغلب الأعمال المنزلية، وفي الوظائف يتقاضي الرجال ضعف
ما تتقاضاه الفرنسيات اللواتي يمثلن 10% في البرلمان وبالكاد ثلث مجلس الشيوخ.
أما المرأة المسلمة فقد أثبت التاريخ تمتعها
بامتيازات عالية في التعلم والفقه؛ فأم المؤمنين عائشة كانت تعتبر من أكبر
علماء الأمة في الفقه والعقيدة والفلسفة، وقل مثل ذلك في أم سلمة زوج النبي
(صلى الله عليه وسلم) ودورها في السياسة. ويمكن ذكر أدوار نسوة أخريات: أم
عمارة بنت عبد الرحمن وزينب بنت أبي سلمة، أم حبيبة، أم شرقى، أم الدرداء، ميمونة،
وفاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ويمكن ذكر حوالي 20 من
صحابيات مشهورات بالعلم والفقه الإسلامي، وكذلك النسوة حول النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم)، يشاركن في الأعمال التي تتصل بالمجتمع مع الاضطلاع بدورهن
الثقافي والفكري الذي يؤكده الحديث: "الجنة تحت أقدام الأمهات ".
وهذه الحقوق للمرأة لانجد لها مثيلا، لا عند
اليونان القديمة، ولا في الإمبراطورية الرومانية، ولا في عصر الانحطاط
الأوروبي؛ وعلى سبيل المثال، في القرن السادس عشر كانت المرأة في انكلترا تمنع
من قراءة الانجيل في حين أن عددا من نساء الإسلام على غرار عائشة وحفصة
زوجتي النبي (صلى الله عليه وسلم) اللتين كانتا على مستوى عال من التعلم؛ لأن
الإسلام كان يركز على أن طلب العلم فريضة على كل مسلم، وكلمة "المسلم"
تعم الجنسين الرجل والمرأة.
ومن أجدادنا البررة الذين حفظوا تعاليم نبي
الإسلام مولانا شيخ الإسلام إبراهيم نياس بن الحاج عبد الله نياس الذي لم يكتف
بتعليم بناته القرآن والحديث والفقه، وإنما دربهن على ممارسة وإتقان الأدب العربي.
ولقد نوه بهذا الموقف مدير المعهد الأساسي لأفريقيا السوداء عامر صامب بذكر رقية
نياس بنت شيخ إبراهيم نياس من الأقلام النادرة في كتابه " الأدب العربي
السنغالي" وخاصة عند رجوعه إلى النص المعنون بـ" تعاليم لبنت مسلمة في
الدين والسلوك للحياة " 1952.
وفي فرنسا انتظروا حتى سنة 1884 ليروا
أولى امرأة "كلمانس روايير" تحصل على حق التدريس في سوربون.
وعلى سبيل المثال ففي مجال الحقوق السياسية لم يقرر حق التصويت للمرأة إلا في
أبريل 1944 ومورس لأول مرة 20 ابريل 1945م.
وفي إيطاليا قررت للمرأة الحقوق
السياسية 1946، وفي بلجيكيا 1948، بينما المرأة المسلمة تمتعت بها ومارستها
منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
وقل مثل ذلك في حرية التعبير التي يتشدق بها
الغرب حتى إبان الثورة الفرنسية كانت المرأة تمنع من الوصول إلى البرلمان الفرنسي
حيث يجرى الحوار حول الحقوق المسماة بالعالمية. وفي الإسلام حرية التعبير والحوار
المباشر مع النبي والأخذ والرد كان سائدا في حياته مع النسوة، وكذلك مع
صحابته الكرام، والكل يذكر الحدث الذي يروى في الآثار الصحيحة بين عمر بن
الخطاب خليفة المسلمين آنذاك وامرأة في تحديد قيمة المهر؛ حيث كلمتها
المشهورة" الله يعطينا وأنت تحرمنا " فأجاب (رضي الله عنه: "أخطأ
عمر وأصابت امرأة!"
وفي
الضجة النسوية الغربية الدائمة لتحرير المرأة، يجب وضع الأمر في نصابه؛ ذلك أن
نتائج كفاح مساواة الجنسين ليس على المستوى المطلوب، ونشاهد في الغرب أن وضع امرأة
جاهلية القرن العشرين أقل قيمة من مثيلتها المسلمة في ثلاثة قرون ماضية.
وفي الواقع فإن الغرب غير مؤهل لزعامة الدعوة
إلى المحافظة على القيم الإنسانية، ذلك أن تاريخه الامبريالي المدمن في إهدار حقوق
وثقافات الآخرين باسم الحرية. فهذا الاستكبار المتجبر منعه أهلية منح النموذج
الأخلاقي لبني آدم الذين قال الله تعالى في حقهم: "ولقد كرمنا بني ءادم
وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا"
الإسراء:70.
وفي الواقع فإن طبيعة صراع النسوية الملتبسة في
مساواة الجنس ونفاقها الواضح، يضعها في فخ العقيدة البرجواجزية كموضوع التلهية
ويذكرنا بشعار التحرر المشهور" يمنع المنع " أحد شعارات حركة
مايو86 الداعية إلى الحرية والاباحية التامة، أو عبارة " الأسرة أكرهتكم"
للشاذ الفرنسي" أندري جيد" التي كانت ضد القيم رغم محاولة
تمجيدها وإعطائها الزخم الثوري.
ويجدر بالذكر أن إبراز موضوع" التشخيص
الجنسي " من علماء الاجتماع والنفسانيين شارك مع مسألة الشذوذ ووجد أصلها
في حركة ضد الثقافة الأمريكية.
قلنا السيد الرئيس الغرب المنهار بدأ وبالسرعة
يبني في دول العالم الثالث نخبة فكرية نسوية منحازة لافكاره في الجنس، وبلدنا
السنغال في ركب داعيات تولية المرأة.
داعيات
تولية المرأة في السنغال
إضافة إلى النشاط السياسي والمهرجان النسوي
الدائم في جميع أنحاء البلاد، فإن جامعة شيخ أنت جوب دشنت مختبر"
النوع والبحث العلمي" في المعهد الأساسي لأفريقيا السوداء في نوفمبر 2004م
لكن الذي تجدر الإشارة إليه أن المبادرات الجريئة الناجحة التي قامت بها مجموعة في
الثانينات والستينات أعيد تأهيلهن؛ ذلك أن نشاطهن الدائم أكسبهن التعاطف الخاص في
رفع الوجوه النسوية الجاهلية إلى الرموز الوطنية:
إحداها
ملكة مملكة" والو" الصغيرة شمال السنغال وأخرى شابة"جولا
" منطقة كابروس جنوب كازمانس، هذه الشابة توصف حسب الخرافات كملكة ساحرة،
راهبة، أوحي إليها وهي في السن العشرين، بينما الحقيقة هي ليست إلا خادمة لأحد
الفرنسيين المقيمين في دكار، ورغم تفخيم أمر هذه الشخصية المثيرة، لم تتضح
رسالتها، هل هي تحرير دكار التي كانت تعيش فيها، أو تحرير قريتها مسقط
رأسها وتحرير كازمانس والسنغال، أو تحرير أفريقيا، وهل هي كانت
اصلاحية داعية إلى أصول دينية قديمة جاهلية؟! على كل البعض يدعي لها الدعوة إلى
أشكال جديدة من الطقوس تخالف المستوردة من المسيحية والإسلام، والحال أن نسويتنا
الباهرات لايتورعن تسميتها بـ: "جاندارك" أفريقيا.
وقليل من السنغاليين يرون أنفسهم في هذا الدين
التقليدي الجديد، بله التعاطف مع هذه العذراء.
والحقيقة لو لا قيمة الملايين المسلمين
السنغاليين الذين يبجلون الحاج عمر الفوتي تال، شيخ أحمد بامبا والحاج مالك سه
لفكر هؤلاء بتقديم الوجوه الجاهلية عليهم، والتي هي ضد القيم الإسلامية التي
تمثلها السيدة آدم تيام، ومام جارية بوصو، والسيد فاطمة واد وله، ورقية نياس،
وغيرهن.
نعم، وفي أقصى حدود شمال السنغال، ولد
أول أكبر مقاوم في كل العصور الذي اشتهر عالميا وخاصة أفريقيا، والعالم العربي
بمستواه الفكري العالي الغير المماثل للشخصيات الوهمية الجاهلية المتوجة أبطالا وطنيين
للسنغال.
السيد الرئيس، بعد عدة أهداف وضعت فيما قبل
مشروع تحديد المراجع والأفق للجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات. منها:
-
توظيف الحكمة لوضع السنغال
على الجادة والسلام المدني والديموقراطية واحترام القيم المدنية والعلمانية والتقدم
الاقتصاد الوطني.
-
والمشار إليه أعلاه يضعنا في
إشكالية طبيعة النظام السياسي، وكذلك مسألة الدستور والإدارة السياسية، والحال
السيد الرئيس، النقطة الرئيسية هي أن لامفر من حوار وطني حول ما إذا كان السنغال
يفضل التشريع العلماني، أو يفضل التشريع القائم على أسس إسلامية؟
-
ولأجل بيان هذه المسألة
الخطيرة، اسمحوا لي السيد الرئيس بالوقوف على مسألة العلمانية التي هي خصوصية
فرنسية.
وبعد
مقدمة قصيرة على مفهوم العلمانية وإشارة إلى"بليز جنج" سنعالج في الجزء
الأول إشكاليات المصطلح في فرنسا، وفي الجزء الثاني نركز على العلمانية في السنغال
المستقل، وموقف الكنيسة السنغالية للحجاب الإسلامي ومسألة الاختلاط إلى دجل قانون
الأسرة.
وفي
النهاية نذكر المسار التاريخي للإسلام والمسيحية في السنغال، ومجموعة
المبادرة الشعبية للإستفتاء حول تطبيق الشريعة الإسلامية للمسئلة الهامة في إصلاح
الجمهورية.
اللائكية
في
المجلد الثاني "تحت عنوان: الموقف من خدعة النصب التذكاري للنهضة
الإفريقية"
ذكرنا
فيه أن هذه الخدعة، قوبلت بالرفض من قبل غالبية السنغاليين، ذلك أن فكرة هذا النصب
التذكاري يتعارض تماما مع ثقافة وعقيدة سنغال البلد البالغ عدد المسلمين فيه 97%،
ونذكر أن التبرير الذي لوح به ضد المسلمين السنغاليين الذين نددوا بهذا النصب
المشئوم، هو "احترام فكرة اللائكية، والدفاع عنها"، هذه اللائكية التي
تعتمد على الدستور الأول من دستور جمهورية السنغال، ومن الجدير بالذكر أن هذه
اللائكية التي هي موضوع المجلد الثالث من محاولاتنا، هذه اللائكية ربيبة
الماسونية.
وعند
تناولنا لخدعة كبار رجال الدين الإسلامي ضمن التناقض الوطني بسبب هذا النصب
التذكاري، ذكرنا بأنهم، كبار رجال الدين المسلمين، عاجزون أمام الأوضاع السياسية
الحالية لمجابهة خدعة الرئيس عبد الله واد، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن نقبل السكوت عن
عدم أهلية السلطة الرسمية للتقنين الإسلامي - أسلمة قوانين الدولة - للحياة
الوطنية مقابل الصكوك والهدايا والرواتب من كل نوع، وفي نفس الوقت المطالبة بوضع
حد للخداع الإسلامي في جمهورية سجلت اللائكية في جبهتها. "البند الأول في
الدستور" فالحل بين شيئين: إما أن ينظم المسلمون السنغاليون المخلصون
لعقيدتهم لإحداث انقطاع أو انشقاق دستوري، بغية إيجاد نص دستوري يتماشى تماما مع
واقعهم الثقافي والديني والعقدي، والاقتصادي، والقانوني والسياسي...الخ. بالنمط
النبوي تماما، أو يستمرون بالرضا بخداع الجمهورية "اللائكية" والقبول
بصفة عمياء والتمادي في تطبيقاتهم الدينية المعتادة في مساجدهم، وزواياهم،
وأعيادهم، واحتفالاتهم الدينية - المواليد - المحاضرات والزيارات.
مقدمة اللائكية:
لقد
ولدت فكرة "اللائكية" داخل التجربة السياسية للثورة الفرنسية لعام
1789م، وإن كان التفكير قد دار حولها في المختبرات الفكرية لعصور الثورة، والتنوير
في البلدان الأوربية.
وهكذا
نجح الثوار ورثة عصور التنوير الأول، في نضالهم ضد المسيحية الممقوتة، نجحوا في
نزع مبدأ الفصل الكلي بين الدين والحياة، "الدين واللادين" وإبعاد
الدولة عن مسئولياتها الدينية التقليدية "الكنيسة المسيحية ورجالها".
وهكذا أصبحت صيحة "لنسحق الممقوت الدنيئ" شعار انضمام مناضلي القلم
الذين اقتحموا حصون رجال الدين الكنسي الذين كانوا يحتكرون الحياة الثقافية،
ويسيرون جميع الأنظمة التعليمية في البلاد، نجحت إذا الثروة التي أعلنها المفكرون
التنويريون لإنقاذ المجتمع الأوربي وانتشاله من وحل عصور الظلام الذي كانت الكنيسة
المسيحية قد فرضته على أوربا.
لقد
أشرنا في المجلد الثاني من مؤلفنا حول: الموقف من اللائكية: عند ذكر "الجلسات
واللقاءات الوطنية" أشرنا إلى حقد وكراهية "اللائكيين"، ودعاة
"حقوق الإنسان" لكل فكرة داعية إلى الاستفتاء على الفكرة
"اللائكية" في البلاد، وبالفعل فإن هذا الرفض المحتد العنيف من قبل
هؤلاء، ينبغي ألا يفاجئ أحدا، لأن "اللائكية" وضعت خصيصا ضد الدين،
لمعارضة كل تأثير ديني، وليست، ولن تكون أبدا فكرة محايدة أو نظاما غير منحاز، ولا
متسامح، خاصة تجاه الديانات السماوية، ولذلك نرى فيما يتعلق بالمسألة المدرسية
والتعليمية، في فرنسا، ومستعمراتها، كرست اللائكية نشاطها لسحق التعليم الديني
والخلقي الكاثوليكي التقليدي، وإحلال تربية خلقية وتربية مدنية ذات صبغة
"لائكية" محل التعليم الديني، إذ إن هذه التربية كانت تهدف خاصة إلى
تهيئة الطفل مبكرا ضد ما يسميه منظروا اللائكية "استبداد وطغيان الإله"
وتحرير الطفل من كل التزام للرب. وإلحاده ضد كل ما يتعلق بالآخرة والملائكة،
والبعث، والجنة والنار...الخ.
ومن
الأفكار التي قامت فكرة "اللائكية" للدعوة إليها، الانتقال بالانسانية
من عصور الطفولة إلى عصور البلوغ، الانتقال بالانسانية من الديانات السماوية إلى
الدين الإيجابي ودين المدنية، وما هذه الديانة إلا الديانة العالمية أي
"المواطنة" التي من قيمها العالمية: "حقوق الانسان"
و"الديموقراطية الليبرالية".
وبالفعل،
يمكن أن نؤكد بأن التكوين التاريخي لهذه الفلسفة السياسية الفرنسية
"اللائكية" تأخذ جذورها الأولى في الجمهورية الفرنسية الثانية، ثم
تبلورت في الجمهورية الثالثة.
ولا
بد أن نذكر هنا أنه وأثناء المآسي التاريخية المتتابعة للجمهورية الفرنسية
الثالثة، فقط، تمكن المحتل الفرنسي المؤيد بالخونة "الرماة السنغاليين"
من الانتصار على مقاومينا الوطنيين الشرفاء، بقوة السلاح.
ثم
جاء دور الطغاة والزعماء التقليديين المحليين، قبل أن يضع الفرنسيون الانظمة
الاستعمارية الجديدة للتعليم والتكوين التي كانت تكرس لتجذير نظام الإدارة والحكم
الفرنسي بإخلاص.
وأثناء
رئاسة "جيل غريوي" تم إعطاء حق التمثيل النيابي لناخبي "البلديات
الأربعة" في السنغال، وبالأخص بواسطة القانون، (08 أبريل 1879م) الذي صوت
عليه بعد شهرين من انتخاب هذا الأخير على رئاسة الجمهورية الفرنسية في 30 يناير
1879م.
ولكن
يجب أن نعلم أن في ربيع الجمهورية الفرنسية الثالثة، يؤرخ كذلك لإيقاد النار
للمحفل الماسوني الثالث لمدينة "سين لوي سنغال" وهو محفل " الإتحاد
السنغالي " وكذلك ادخال السود لأول مرة في المحفل، وهم: (بران سادي، والإخوة
الرماة: مامدو راسين، وما دمب سي)
وهنالك
اعتبارات عدة تدفعنا للحديث عن هذه الجمهورية الفرنسية الثالثة، لإنها هي التي
قامت ببلورة الإصلاحات اللائكية الكبرى التي تأخذ جذورها من قوانين "Lois Ferry " الشهيرة.
سيدي
رئيس اللجنة الوطنية لإصلاح المؤسسات، اسمحوا لنا قليلا بذكر بعض الكلمات عن هذ
الماسونية في السنغال:
عرف
السنغال محفله الماسوني الأول عام 1781م بقانون محفل "سينت جاك دي
ترواورتي" (محفل القديس جاك للحقائق الثلاثة) أو القيم الثلاثة. وكان يعرف
باسم "قديس جاك للأصدقاء الصادقين المجمعين"؛ رأى هذا المحفل الماسوني
الأول النور في المدينة الاستعمارية "سين لوي بالسنغال" بتحريض
"جان جاك كوربير" أحد أعظم زعماء محفل الشرق الأكبر لفرنسا.
وبعد
هذا المحفل، ولدت ثلاثة محافل أخرى في "سين لوي السنغال" قبل ظهور محفل
دكار في بداية شهر أغسطس عام 1899م وهو المحفل المسمى "الاتحاد الكامل"
و"الاتحاد السنغالي" و"مستقبل السنغال" هذا المحفل سيلعب دوره
الماسوني خلال الجمهورية الفرنسية الثالثة.
أما
محفل "الاتحاد الكامل" الذي تكون في 8 يوليو عام 1823 في سين لوي
بمبادرة "Le
frères trois-points"، فكان
ملكا لمحفل الشرق الأكبر لفرنسا، وكان بقيادة الحاكم العام الفرنسي في السنغال
(1822-1827م) وهو "جاك فرانسوا روجيه".
أما
الحدث الأكثر بروزا في حياة الماسونية السنغالية، فهو دخول السنغاليين المولدين من
جنسين مختلفين "الملونين" في سين لوي، في المحافل الماسونية، تحت قيادة
الزعيم الفرنسي" جان جاك روجيه" فقد أصبح هؤلاء المولدون الملونون من
الشباب الارستقراطيين، والذين سبق أن هيئوا في محفل الشرق الأكبر لفرنسا أثناء
متابعتهم الدراسة في فرنسا، يرون شهرتهم تزداد قوة في المدينة الاستعمارية
"سين لوي سنغال"
ومن
ضمن هؤلاء الملونين في سين لوي، أول عضو في المحفل الماسوني هو: "Pellegrin François" وهو عميد جزيرة سنت لوي، ونلاحظ
في هذه الحركة أيضا أربعة من أسرة "CRESPIN" وهم
"Crespin
Germain, Crespin Auguste, Crespin Joseph et Crespin François".
وأما
محفل " الاتحاد السنغالي" الذي أنشأ في 22/09/1847م، فقد كان يتكون في
الغالب من العناصر المدنية، والعسكرية التابعة للبيوت التجارية، والادارة
الاستعمارية المحلية.
وبعد
حوالي ست سنوات لوحظ انضمام عنصرين من السكان المحليين السود إلى هذا المحفل وهما:
ممدو راسين وما دمب ساي أو سي، ...الخ. ويمكن أن يكون الرجلان أخوين، وقد خدما في
جيش الاحتلال الفرنسي بعد متابعة الدراسة في مدرسة أبناء الزعماء في سين لوي
سنغال، وسيصبح السيد ممد راسين سي أول جندي سنغالي يرقى إلى رتبة "نقيب"
وهكذا تم تقليده بعدة أوسمة من الجيش الفرنسي، أولا برتبة (فارس عام 1869 ثم ضابط
عام 1882م)، وكان من الذين تبنوه من زعماء الماسونية الفرنسية "Gustave Bargnis- Desbardes-
et Louis Archinard"، وهما
جنرالان في المحفل الماسوني الفرنسي، تحت إشراف "توفيل دكلاسي" الوزير
الفرنسي للمستعمرات.
قلنا
بأن هذا المحفل الماسوني السنغالي "مستقبل السنغال" قد أوجد في شهر
يوليو عام 1893م، غير أنه في منتصف شهر ديسمبر عام 1893م تلقى السيد " Les frères trois-points Bonnefoi"
موافقة تعيينه مأذون تنصيب وإنشاء هذا المحفل وغيره من قبل مجلس الشرق الأكبر
الماسوني.
وبتحريض
من هذا الأخير تم فتح أول محفل ماسوني لمدينة دكار في 4 أوت 1899م، تحت اسم
"النجم الغربي" وهكذا واصلت المحافل الماسونية في السنغال العمل في
تطبيق الفلسفة الماسونية في كراهية الكنيسة والمؤسسة الدينية الكنسية، وبالطبع لا
بد أن تنعكس روح هذه الكراهية الدينية ضد الإسلام وضد رجال الدين الإسلامي
المتهمين بالقيام بحركة "جهادية" على غرار الشيخ الحاج عمر الفوتي تال
وغيره مثل "مب جخوبا" إذ يجب أن لا ننسى، أن دولة فرنسا الاستعمارية في
تلك الحقبة التي كانت تحلم بالقيام "بمهمة ورسالة تمدين الشعوب" كانت
تعتبر نفسها كالواجهة الأمامية للكفاح ضد الجهل والخرافة التي كانوا يعتبرون
الإسلام صنوا لها. ومنذ ذلك الوقت لم تضع حرب الغرب ضد الإسلام أوزارها.
وهكذا
في الوقت الذي كانت المدينة الاستعمارية "سين لوي سنغال" قد دخلت مبكرا
في زخم محافلها الماسونية الأربعة، انتظرت مدينة دكار لتدخل في حلبة الماسونية حتى
مستهل القرن الـ19، خاصة مع إقامة محفل "النجم الغربي" Les frères Trois-points" من محفل الشرق الأكبر الفرنسي، وسيساهم محفل دكار
"النجم الغربي" في ميلاد محفل "الأخوة العالمية" في عام
1962م، هذا المحفل الأخير يتبع نظرية "الحقوق البشرية" المختلطة، ثم
عرفت الحركة الماسونية نشاطا مكثفا لتوسيع ونشر النوادي الماسونية في السنغال بعد
الإستقلال، فقام محفل "La Croix du Sud775"
ولكن يبدو أن العالم الماسوني السنغالي ظل خامدا، في حاجة إلى أب روحي محلي من
الجنس الإفريقي وجد ذلك في شخص "بليز جانغ" الماسوني. "من طرف
النجم الغربي" ثم محفل "الأمير عبد القادر" الماسوني في مدينة
"ريفيسك؟"
سيدي
رئيس اللجنة الوطنية لاصلاح القوانين، عند ذكرنا تاريخ الماسونية في السنغال، لا
نريد أن نرتكب جريمة صاحب الجلالة "الماسونية " إذا لم نخصص بعض الأسطر
لهذا الرمز الوطني الماسوني، اسمحوا لنا إذ ن بذكر كلمة حوله.
-
بليز جانج:
واسمه
الذي أعطيه عند عقيقته، هو "غلاي امباي جانج" ابن نيخور جانج ونيانيا
أنطوني بريرا" تلقى مبادئ الماسونية لأول مرة أثناء تعيينه موظفا في جزيرة
"L'ile de
la Réunion" وكان صعوده في سلم الماسونية
سريعا، ففي أقل من سنة من انخراطه في محفل "الصداقة" وصل إلى رتبة
"الصاحب" في 25 يونيو 1900م، لكي يصبح "معلما" في شهر يوليو
التالي، ومن مقام عمله في "سنت دني" أخذ بليز جانج يجوب مختلف المحافل
الماسونية، فانضم إلى محفل «L'inséparable
du Progrès" و "Lorient de Paris" في يوليو 1906م، كما اشترك في إقامة محفل "Francisco Ferrer" في 15 فبراير 1910م، وانضم إلى محفل "Pythagore" وأعطي أعلى وأرفع الألقاب والأوصاف الماسونية مثل:
"Le Vénérable, Vénérable
d'honneur et ad vitam aeternam"
من
عام 1922م إلى عام 1926م، واستمر في حضور المجلس الفلسفي للماسونية العالمية (Etoile Polaire) حتى مماته.
وعند
انعقاد الجمعية العامة لمحافل الشرق الأكبر في 27/09/1922م، كان بليز جانج أول
ماسوني ملون ينتخب في مجلس الشرق الأكبر، ويحضر جلساته حتى عام 1924م، ويرأس أخوة
البرلمانيين الماسونيين، وكان من الميادين التي ظهرت في حركاته "الدعوة إلى
تحرير المرأة" وخاصة "المساواة بين الجنسين" والحق في "تحديد
النسل"، وفي الإجهاض، وغيرها من الدعوات إلى إطلاق الشهوات واتخاذ الأخدان.
وفي
السنغال اجتهد الإخوة والأخوات الماسونيون ورثة بليزجانغ في محافل عديدة لإحياء
الحركة الماسونية، فحققوا نجاحا كبيرا، ويتمثل ذلك في تصويت البرلمان ومجلس الشيوخ
السنغاليين لصالح التعديل الدستوري الذي يجعل "المساواة التامة بين الرجل
والمرأة قانونا" في المناصب الانتخابية، والوظائف الانتخابية، بتحريض من
الماسونية.
سيدي
الرئيس... لعلنا في صدد استصلاح القوانين اللائكية التي تأخذ جذورها وأصولها من
الجمهورية الفرنسية الثالثة وخاصة مع قوانين "Lois Ferry"
الشهيرة، يجب التفكير بتعقل وبنزاهة، والنظر بتبصر في التناقضات العديدة في الفكر
اللائكي ابتداء من التسمية، مرورا بالنظريات، وانتهاء بالتطبيقات العقدية، وعليه،
يجب الأخذ بعين الاعتبار ثقافة وتاريخ وحضارة وعقيدة هذا الشعب السنغالي الذي
تسعون لإصلاه بدستور وضع أصلا لمجتمع تختلف أصوله العرقية ومراجعه الثقافية
والحضارية والدينية، عما هو عندنا تماما.
سيدي
الرئيس، ألا تعتقدون أن اللائكية - على الرغم من أن ادعاء العالمية لها نوع من
الاستهزاء والسخرية - أن النظرية اللائكية أصبحت اليوم ميؤوسة منها لدى المرتدين
الجاحدين في العالم والبيئة الكاثوليكية.
السيد
فردناند بيوسون Ferdinand Buisson
كانت هذه الشخصية من الجنود المجندين لزيل فري، فهو
الذي كان يشرف على جميع القوانين الضامنة للعلمانية وخاصة فهو المفتش العام ومدير
التعليم الابتدائي لمدة سبعة عشر سنة، تولى خلالها أمامه أربعة عشر وزيرا للتعليم
والتكوين، كما كان يقوم بالصياغة البيداغوجية للنصوص التي تغذي المدرسة اللائكية
للجمهورية الفرنسية، وكان كذلك بمثابة مدير تحرير القاموس البيداغوجي للتعليم
الابتدائي عام 1887م. هذا القاموس الذي كان يعتبر العمود الفقري لمناهج المدرسة
اللائكية.
ولكن
لا يمكن الكلام عن معلمي المدرسية اللائكية دون أن نلقي نظرة على المدرسة الشهيرة
للمعلمين "L'école
William Ponty" لأن مؤلف القاموس المذكور
آنفا، قد وجد الأرض الخصبة لعمله هذا في هذه المدرسة لتنفيذ خطط الاستعمار الفرنسي
في إفريقيا الغربية الفرنسية.
ويمكن
أن نقف على نشاط الاستعمار الفرنسي، حملة عام 1911، وما يمكن تسميته بالنشاط التبشيري
"لفديرب" في مجال التربية من خلال ما يلي: قام فيدرب في السنغال بمبادرة
فريدة عندما جمع أولاد الزعماء في المدرسة التي قامت بهدف دمجهم في هيمنة الثقافة
الفرنسية وقبول هذه الثقافة، وهي مدرسة المعلمين في سين لوي سنغال التي تستقبل
فقط: أولاد الزعماء، والمترجمين، والمعلمين المحليين، ويضاف إليهم بداءة القضاة الذين
يحكمون بالشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية.
فمدرسة
المعلمين"وليام بونتي"، التي كانت أو أصبحت تدعى بـ" مدرسة سين لوي
للمعلمين "أنشئت في نوفمبر عام 1902م في نفس المدينة، ثم ألحقت بمدرسة
"أولاد المعلمين والمترجمين" قبل نقلها إلى جزيرة غوري في 1/3/1913م تحت
اسم" مدرسة المعلمين لجزيرة غوري"، ولكن بعد موت وليام بونتي بعدة
أسابيع، أصبحت المدرسة تحمل اسم" وليام بونتي".
أما
مدرسة "الرهائن L'école des Otages" فلا بد
من الإشارة إلى أنه لما رفض والد "منصور بونا انجاي" آخر ملوك جلوف
إرسال ولده إلى هذه المدرسة، تم إلغاء اتفاقية عدم الاعتداء التي تمت بين فرنسا ومملكة
"جلوف" في أبريل عام 1885م، فكان ذلك الحادث الذي عجل بتكثيف نشاطات
المقاومات المسلحة للملك "ألبري انجاي" آخر ملوك "جلوف" ضد
الاستعمار الفرنسي.
فبقوة
المدافع، كان الحاكم الفرنسي "لوي فديرب" قد ألغى وبدل الادارات المحلية
التقليدية بمدارس جديدة ومحاكم محلية.
فبهذه
التنظيمات الاستعمارية من التربية والتكوين مثل: "مدرسة الرهائن"
المخصصة بأولاد الزعماء والمترجمين، يتم وتم تكوين القادة المحليين المستقبليين
للمستعمرات الفرنسية في أفريقيا الغربية، والذين سيلعبون دور حزام المروحة لاعادة إنتاج
النظام الفرنسي في الادارة والحكم باخلاص، فبواسطة هذه العناصر من الكوادرالمكونة
في هذه المؤسسات التعليمية الفرنسية الخاصة، جرت عملية المصالحة مع المستعمر،
وكذلك تهدئة السنغال كبلد مسالم.
لقد
لعبت "مدرسة وليام بونتي للمعلمين" دور الريادة في عملية دمج سكان
المستعمرات في الثقافة الفرنسية بواسطة النخبة المحلية المستغربة من أفريقيا الغربية
وبالفعل، قد تم تكوين معظم المعلمين، والأطباء والإداريين في غرب إفريقيا، في هذه
المدرسة.
كانت
هذه النخبة من خريجي "المدرسة البونتية" يتميزون عن زملائهم من الذين
خدموا فرنسا، وأعني الرماة المجندين قهرا في الجيش الفرنسي، الذين كانوا لا يقرءون
ولا يكتبون، كانوا يتميزون عن هؤلاء، إذ كانوا مكونين تكوينا جيدا، مشربين
بالثقافة الفرنسية، الموسيقى الفرنسية والمسرحية، وكيفية قضاء وقت الفراغ والرياضة
إلخ ..
فهذه
السياسة الفرنسية تدخل في الإطار العام الذي يسعى إليه الاستعمار وهو إبعاد هؤلاء
النخبة عن الاسلام وثقافته في البلاد قدر المستطاع.
وعند
الكلام عن التعليم الاسلامي في إفريقيا الغربية الفرنسية، قال السيد "بيوسون
"يعطى هذا التعليم الاسلامي من قبل الشيوخ الدراويش (...)، لا يشكلون خطرا في
ذاتهم البتة، ولا ينظمون الزوايا كما في الجزائر، ولكن يمكنهم الدخول في اتصالات
مع الطرق الصوفية في المغرب، وطرابلس ليبيا، بكل سهولة، وقد وضعت مدارسهم القرآنية
تحت رقابة واهتمامات السلطات الفرنسية منذ أيام "لوي فديرب"وخاصة بواسطة
مرسوم عام 1902، الذي يوجب على المدارس القرآنية الحصول على رخصة السلطات مسبقا،
مع امتحان مهني لمعلم القرآن، ووضع سجل التلاميذ، مع فرض متابعة درس في اللغة
الفرنسية".
لا
يمكن أبدا الفصل بين أهداف المثلث: "الاستعمار- الكنيسة - الماسونية"،
هذه الأهداف قد تبلورت في النظام اللائكي وسخرت الجمهوريات الفرنسية كلها على مدى
التاريخ، هذه الأهداف لخدمة الحضارة والثقافة الفرنسية في العالم؛ وظلت فرنسا
تستخدم - لتحقيق هذه المآرب - هذه التنظيمات، والمؤسسات التربوية الخاصة، والأشخاص
من النخبة المكونة في المدارس الخاصة في مستعمراتها وراء البحار، وأبرز مثال على
ذلك اليوم "المنظمة الدولية الفرنكوفونية" وعلى رأسها اليوم رئيس
الجمهورية السابق السيد/ عبد جوف، الذي يعمل باستماتة لانجاح أهداف هذه المنظمة من
منظمات الاستعمار الجديد. ما يجعله يستحق مباركات أقرانه وزملائه زعماء الدول
الفرنكوفية، وثنائهم، كما جعله يستحق ثناء وتبريكات أقطاب الماسونية العالمية
المعاصرة، مثل روجيه ليراي Roger Leray، وهو زعيم سابق
لمحفل الشرق الأكبر الماسوني في فرنسا.
ولو
لا خوفي من إثارة ردود فعل عنيفة لقلت (إن الاسلام في الطريق إلى اللائكية هنا
يوما ما. وأن رجالا أمثال عبد جوف يعملون لذلك بكل شجاعة).
لقد
أشرنا في محاولتنا حول انتصار محاربة رجال والتدين على الكنيسة في فرنسا، ذلك من
المعطيات التي يجب جعلها في الذاكرة دوما. وإلا فلم يصر النظام التعليمي في
السنغال على تكريس اللائكية وإعطاء هذا التعليم لأطفال المسلمين في الوقت الذي
يجعل التعليم الديني الاسلامي في الثلاجة، أولا يعتبر ذلك سبا وشتما لأولياء
التلاميذ المسلمين في السنغال المستقل...؟ نتيجة استحواز أقلية قليلة على شئون
الجميع، وتضع الأغلبية المسلمة على السندان للطرق، لقد ظلت السلطات تمنع إدخال
التعليم الديني في المدارس النظامية الحكومية حتى السنوات الأخيرة فقط.
سيدي،
رئيس اللجنة، لقد قلنا: إن اللائكية "تعني "معاداة الدين" وأن
التعليم المدني الجمهوري اللائكي، يهدف إلى قطع الطفل عن علاقاته العقدية الدينية،
وعن التزاماته تجاه الله، ويعني نقل الإنسانية من عمر الطفولة إلى عمر البلوغ،
ويعني الانتقال من الديانات السماوية الموحي بها، إلى الديانات الإيجابية لحقوق
الإنسان.
ففي
الواقع، إن اصطناع الفكرة الداعية إلى "لائكية" الدين، يتفق تماما مع
المذهب العقلاني لكهنة فكرة "الإيجابية "مثل " اوغيست كونت" وجميع
المفكرين الدعاة إلى التحررية سواء منهم من كان يهوديا أو نصرانيا، أو
بروستنانينيا، أورسذكسيا، بوذيا، هندوسيا، أو آخ مسلما..)، لقد خرجت كل هذه
الأفكارمن مشكأة الفكر اللائكي، الذي يرمي إلى تكوين مواطنين تنويرين، يكفرون
بجميع الأديان، وبظلامية القرون الماضية، لمصلحة أخلاق إيجابية وأخوة عالمية.
سيدي
الرئيس، اسمحوا لنا بأن نقول هذه الكلمة حول الاصلاحات اللائكية لقوانين الجمهورية
الثالثة، تماما كما كان واضحا في اهتمامات السيد/ فردنان يبوسون،
اللائكي". Ferdinand Buisson.
إصلاحات علمانية للجمهورية الثالثة:
بدون
شك، لقد تم تحت هذه الجمهورية الثالثة، وبالأخص ابتداء من 1879م عشية الحرب الكبرى
حين تلقت الكنيسة ورجال دينها الضربات الماسونية الموجعة التي أسقطتهم؛ وبالتحديد
فيما يتعلق بامتيازاتهم القديمة داخل المجتمع الفرنسي وكذلك بالنسبة لتأثيرهم على
تربية أولاد الأمة لأنه حتى هذه اللحظة كان يتم تقديم التعليم من قبل المؤسسات
الكاثوليكية.
بدءا
بالجمهورية الثانية أخذ "الثوار" والمفكرون الأحرار من كل الجهات
يتابعون المعركة من أجل علمنة التعليم المضاد للكنيسة قبل أن يصبح مبدءا عقديا في
عقيدة الجمهورية.
إن
هذا التوجه الأيديولوجي يمثل أساس الإجراءات المحرضة من أجل الانضمام إلى قضية
العلمانية التي اتخذها الأخ "تروا بويين" لازار إيبولت كارنو الذي كان
وقته وزيرا لتوجيه الجماهير والشعائر في إطار ظروف ثورة 1848م. وعليه فإن رفع
رواتب المدرسين من أجل تحفيزهم للقيام بتلقين أطفال "الجمهورية
الديمقراطية"، وذلك بدلا من التربية الدينية الكاثوليكية. لكن لا بد من القول
بأن عاصفة العلمنة قد اكتسحت المجال الأسري الفرنسي وتقاليده الدينية الكاثوليكية
في ظل رئاسة جيل فيري غيرفي.
سيد
الرئيس! إذا، فلنتوقف قليلا عند هذه العلمانية المكتسحة التي وسمت الجمهورية
الثالثة.
في
1/12/1879م قامت الأغلبية الجمهورية الجديدة بالتصويت على قانون يتعلق بعلمنة
العاملين في المستشفيات. وفي العام التالي ألغي قانون منع العمل يوم الأحد وكذلك
لم تعد المقاهي والمراقص وأماكن شرب الخمر ملزمة بأن تكون على مسافة بعيدة من
أماكن العبادة. هذه الموجة العاصفة هي التي أبطلت الطلاق وكذلك بالنسبة للتقاليد
المتعلقة بالصلوات الجماعية في أوساط الجيش والبحرية والمدارس كما تم إلزام طلاب اللاهوت
بأداء الخدمة العسكرية لسنة. فهذه الضربة هي التي نزعت كذلك من المصالح العامة
الطابع الديني ولم يستثن لا المستشفيات ولا أماكن العبادة التي نزعت منها صور الصليب
ورموز أخرى بارزة للمسيحية.
وفي
هذه الأجواء كذلك تم اعتماد قانون 14/ نوفمبر / 1881م الذي منع المربعات الدينية
وجعل من المقابر علمانية ومختلطة الأديان وحدد بالذات "إن أية تجمع على أساس
ديني على شكل فصل مادي بين أجزاء المقبرة محرم". وبطبيعة الحال لا يزال هذا
البند حول العلمانية وحياد المقابر يطرح مشكلة بالنسبة للجاليات المسلمة وربما
اليهودية داخل المجتمع الفرنسي. ولكن أكان المسؤولون الفرنسيون مجبرين على اتخاذ
إجراءات إدارية جديدة من أجل مواءمة الإطار القانوني العام للعلمانية بالنسبة
للحقوق الدينية لهذه الشريحة التي أشرنا إليها، وبالخصوص فيما يتعلق بإيجاد فضاءات
تجمع الموتى من كل الملل. وفيما يتعلق بتحريم الصليب في الأماكن العامة كان اتخاذ
قرار أسهل من تطبيقه؛ لأنه حتى في منتصف القرن الأخير كنا نجد صلبانا في المدارس
العامة.
وفي
علاقة مع هذه الحركة العامة للعلمنة وبالتناسق مع التوجه السياسي الماسوني
للجمهورية الثالثة، قام جيل فيري بتعيين أحد ضباطه الأخ في شخص بيسون في إدارة
التعليم الأساسي، وذلك في سبيل تطبيق برنامج علمنة التعليم وميلاد "القوانين
الشهيرة حول العلمانية". لأنه بالنسبة للجمهوريين وحلفائهم في هذا الصراع
المميت بين الكنسية وبين الجمهورية العلمانية فإن المعركة التي يتوجب كسبها كانت تتعلق
بالتعليم. وفيما يتعلق خصوصا بإيجاد نظام تام العلمانية من أجل جميع أطفال
الجمهورية.
في
النهاية احتشدت كل قوافل الماسونية حول هذه المعركة من أجل مدرسة علمانية موحدة
وفرض احتكار الدولة لهذه المنظومة التعليمية.
سيدي
الرئيس، اسمحوا لنا بأن نقول كلمة حول هيمنة الماسونيين على وزارة توجيه الجماهير
والإصلاحات المضادة للكنيسة في مجال التربية الوطنية وأنه لا بد من القول بأن فرض
الهيمنة من قبل "أخوية الأطفال للأرمة" على الوزارة المركزية للتوجيه
العام سيتواصل ويتقوى طيلة فترة الجمهورية الثالثة والتي تمثل أوج الماسونية بعد
الربيع الذي عرفه نظام الإمبراطورية. إن السيطرة، بل احتكار هذه الوزارة من قبل
السلطة الماسونية شكلت معطيات ذات دلالة لهذا النظام وضمن القوانين الإصلاحية
المضادة للكنيسة في مجال التربية الوطنية، ثمة القانون الأساسي الصادر في 28 مارس
1882م الذي علمن برامج التعليم الأساسي العام والذي كان يبرر إصدار "رسالة
إلى المدرسين" الشهيرة. في الواقع وجه جيل فيري باعتباره وزير توجيه الجماهير
رسالة في 17 نوفمبر 1883م إلى المدرسين من أجل تحديد معنى أحد مهامهم الأساسية:
إعطاء أطفال الأمة " تربية أخلاقية ومدنية".
وبالمناسبة
فإن الرسالة التوجيهية "مقرر التربية العلمانية" تندرج في الرسالة التي
وجهها جيل فيري، والتي تم نشرها في العام التالي من قبل أخيه في النور إيتغار موتي
السيئ السمعة "حاكم المحافل". ثم تلي قوانين رادعة أخرى في هذه الحركة
لإصلاح التربية وبالتحديد "قانون غوبلي" الشهير الصادر في 30 أكتوبر
1886م الذي كان يشكل مراجعة عميقة لكثير من الإجراءات لقانون" فالو"
وكانت تتعلق بتنظيم عام للمدرسة العامة الأساسية مع علمنة هذا الإطار من المعلمين.
سيد
الرئيس! اسمحوا لنا بالعودة إلى فرنسيس دي بريسانسي. ....
لقد
ذكرنا بأن بريسانسي قد اعتمد على هذه اليد التي مرت عليها قرون للماسونية التي
تتمثل في "رابطة حقوق الإنسان" التي سيصبح رئيسها في أكتوبر 1903م. فعلا
خلف بريسانسي أول رئيس لهذه المنظمة الذي هو الأخ في النور ليدوفيك تراريو الذي
كان قد استقال بسبب مرض ألم به وتوفي جراءه في 13 مارس 1904م. إذا فبريسانسي هذا
هو الذي سيصدر، باعتباره نائبا عن منطقة رهون، في 5 يوليو 1905م رخصة إشهارا
للرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطنة وذلك بعد 48 ساعة من تبني مشروع
"قانون الفصل".
وهو
كان عميد رابطة المحامين في بوردو وقريب من فالديك روسو، ليدوفيك تراريو وكان
سيناتور لمنطقة بروند قبل أن يعين وزيرا للعدل في حكومة ريبو في الفترة يناير،
نوفمبر 1895م.
إنه
لأمر ذو دلالة في الوقت الذي كان يتم فيه الاحتفال بمرور مائة سنة على القانون
الشهير 1905م أن يكون الأخ في النور والذي كان على رأس " رابطة حقوق
الإنسان" ألا وهو المحامي اليهودي من أصول جزائرية ميشيل تِبيانا الذي كان
كذلك أحد مؤلفي الكتاب الجماعي "1905-2005م قضايا العلمانية" الذي تم
نشره بهذه المناسبة.
فلنوضح
بأن اقتراح قانون بريسانسي - الذي كان نصه قد أخضع للفحص ثم اعتمد من قبل هياكل
رابطة حقوق الإنسان ومثّل التصور الأول لقانون 1905م في الواقع فإن بريسانسي لم
يتردد في استخدام إمكانات والقدرة على الحشد لهذه الرابطة في إطار الحملة المنظمة
لصالح قانون الفصل هذا.
كما
كان الحال في القرن، العشرين بعد الحرب العالمية كذلك، فإن الحركة العلمانية
ستتلقى زخما جديدا؛ وبالتحديد مع تأسيس "التجمع الوطني العلماني وتنظيم
"الجلسات العامة للدفاع عن العلمانية" في 18/ يوليو للعام التالي.
جملة
من المبادرات التي انتهت إلى إنشاء "لجنة تنفيذية دائمة" أصبحت:
"اللجنة الوطنية للدفاع عن العلمانية" في 1951م ثم تحولت إلى
"اللجنة الوطنية للحركة العلمانية" وذلك عام 1953م.
السيد الرئيس، دعونا ننتقل إلى " قانون 1905 " الشهيرة.
"قانون
الفصل بين الكنيسة والدولة "
وقد
أقر مجلس الشيوخ، "قانون الفصل بين الكنيسة والدولة "بتاريخ 6 ديسمبر
1905، وصادق عليه رئيس الجمهورية في 09 ديسمبر 1905 فنشرته الجريدة الرسمية الصادر
في 11 ديسمبر عام 1905، ثم دخل حيز التنفيذ في 1 يناير 1906. وكان هذا القانون على
عكس " قانون البابوية لعام 1801" الذي لم يكن يقصد إلا الديانة
الكاثوليكية الرومانية فقط، وأما هذا القانون الجديد للفصل فقد كان يطبق على جميع
الكنائس المعترف بها رسميا في فرنسا آنذاك، مثل اليهودية والبروتستانتية. هذا، مع
ترك الحرية للكنائس في تنظيم أمورها الداخلية لتنظيم. والقانون الجديد "للفصال " قد نسخ
قانون البابوية لعام 1801، وجميع القرارات والمراسيم الأخرى، وكذلك القانون العضوي
لعام 1802. و الأهم من ذلك كله، كان هذا القانون يكرس «العلمانية " كقيمة
جمهورية عليا على أرض المتمردة " الابنة الكبرى للكنيسة"، مع استثناء
الألزاس واللورين حتى الآن، ورغم كثافة نشاط ودعاية "العلمانيين الجمهوريين
"، مازال قانون الفصل يعاني من إفلاس كبير - وقد كان ملغيا في عام 1940 عندما
كان الألزاس مضافة إلى الرايس، ثم أعيد في الدساتير الفرنسية لعام 1946 و 1958 -
وهو المعمول به في المقاطعات الثلاث : باس رين ، أوت رين و موسيل.
السيد الرئيس، قبل أن نصل إلى "المجلس الفرنسي للدين الإسلامي" (CFC)،
دعونا نعود إلى الوراء قليلا إلى شخصية بول بينلفي، الذي بصفته الزعيم الرئيسي
" لرابطة الجمهورية " في السنوات 1920-1921، كان قد استفاد كثيرا من
معارفه الماسونيين، مما دفعه إلى دفعه إلى احتلال مناصب وزارية عديدة قبل أن يصبح
رئيسا لمجلس الوزراء. كان أولا في حكومة برياند في اكتوبر عام 1915 وزير التعليم
العام والفنون الجميلة والاختراعات المتعلقة بالدفاع الوطني، ثم وزير الحرب في
حكومة ريبوت مارس 1917، وقد ترأس ثلاث حكومات مختلفة من سبتمبر سنة 1917 إلى
نوفمبر عام 1925، قبل أن يعود بالتتابع وزيرا للحرب ثم وزير للهواء حتى يناير عام 1933.
كان بول بينلفي بصفته عضوا في " رابطة حقوق الإنسان "، قد ترك العلامة
الأكثر تنافرا مع عقيدة السلمية والإنسانية المزعومة لهذه المنظمة ذات توجه ماسوني.
لم تكن حكوماته تدعم بقوة قمع الثورات الوطنية ضد الاستعمار في ذلك الوقت فحسب، بل
هو الذي فرض بشدة نداء العفو عن الجندي الرامي شيخ سيسي الذي كان آخر المساجين في
كاليدونيا الجديدة.
لقد
تجند شيخ سيسي" الفوج الرابع من الرماة السنغاليين " (4 RTS) في
أكتوبر عام 1914، ثم شارك في الحرب العظمى، قبل أن يتم إعادته إلى السنغال في عام
1917 بسبب جروح أصابته في المغرب ومضيق الدردنيل. وحينما كان متهيئا للالتحاق
بعائلته في السودان، ألقي القبض عليه في داكار، وذلك بتاريخ 17 أكتوبر 1917 على
أساس تهمة "المؤامرة ضد أمن الدولة " و" التحريض على حرب أهلية
"، مما أدى إلى أن حكم عليه بالنفي مدى الحياة المجلس الاستعماري للحرب الذي
انعقد في داكار، بتاريخ 18 أبريل 1918.
وعلى
الرغم من الحملة الدولية بقيادة النشطاء الشيوعيين، والجمعيات المناهضة للاستعمار
، و هيئة المعونة الحمراء الدولية ، بمبادرة من النائب البرلماني أندريه مارتي (
عضو اللجنة المركزية للقسم الفرنسي الشيوعية العالمية ) ، واجه بول بينلفي ، الذي
كان رئيس مجلس الوزراء و وزير الحرب ،
برفض قاطع طلب العفو عن الرامي شيخ سيسي ، في رسالة مؤرخة بـ 17 ديسمبر 1925.
السيد
الرئيس ، اسمحوا لي الآن بكلمة واحدة عن "المجلس الفرنسي للدين
الإسلامي" ( CFCM
) ، الذي يترأسه مدير المعهد الإسلامي التابع
لمسجد باريس الجامع .
عن
"المجلس الفرنسي للدين الإسلامي" (CFCM) نقول هنا، بأن لابد من التأمل حول
ادعاءات الرئيس نيكولا ساركوزي في كونه صاحب الفضل في إنشاء هذه المؤسسة، الذي حدد
له الهدف التالي " جعل الدين الإسلامي في وضع يكون مساويا لجميع الديانات
الرئيسية الأخرى ". في حين الرئيس شيراك قد أثار قبله فكرة مجلس فرنسي للدين
الإسلامي CFCM، و قكرة " إسلام
حسب الثقافة الفرنسية " ! وكان ذلك في كلمة له بعنوان " خطاب
متعلق بمبدأ احترام العلمانية في الجمهورية ".
في الواقع، أن مسالة الإسلام في فرنسا تذكرنا
قول من قال: إن أفضل وسيلة لدفن أي مسألة هي تعيين لجنة لها، وهكذا، فإن السياسيين
الفرنسيين يشكلون عدة لجان لقتل القضية الإسلامية. على وجه الخصوص، فيما يتعلق
بوضع نظام تكويني لـ " فرد مسلم علماني "، وبرنامج " تعليم ديني إسلامي
علماني " مع افتراضية ترسيم "وضع قانون خاص" للإسلام. كان هذا
الأخير، علاوة على إنشاء "المجلس الفرنسي للدين الإسلامي" CFCM في مايو 2003، سبب إنشاء مؤسسة لعمل الإسلام في فرنسا، وكذلك
برنامج بناء مربعات في المقابر للمسلمين "، وتخريج رجال الدين المسلمين من
" الأئمة و" الدعاة ". والعجيب في الأمر أن المعهد الكاثوليكي في
باريس قد رشح نفسه على جناح السرعة لتدريب الأئمة!
طبعا يريدون «إسلاما خاصا لفرنسا «، إسلاما
يتدين به «مسلمون أحرار"، هواة الجنس الحر، والخمر ولحم الخنزير، غافلين عن
أداء الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان. إسلاما كما يصفه رئيس " المجلس الفرنسي
للدين الإسلامي " السيد دليل بوبكر: " إسلام جمهوري، وليبرالي، و علماني
«، بعيدا عن " إسلام المتطرفين " و " إسلام الأصوليين ".
إن
نيكولا ساركوزي، في كتابه الشهير حيث يدعو إلى "العلمانية الإيجابية "
(أو " العلمانية النشطة ")، على عكس "العلمانية السلبية " (أو
" العلمانية غير الفاعلة")، لم يتمكن من إخفاء فرحه وغبطته بتراجع
ممارسة الشعائر الدينية لدى المسلمين الفرنسيين، حيث يقول " (...) إن ممارسة
الشعائر الدينية تتقلص في بلادنا بصفة مستمرة. حتى لدى المسلمين، فإن معدل
الممارسة الدينية العادية لا يتجاوز 15٪. " . وعلاوة على ذلك، ورغبة منه في
تسريع هذا السقوط الحر " أي تقلص الممارسة الدينية «، فإن الرئيس الفرنسي لا
يترفع عن استخدام مصطلحات شنيعة، تهدف إلى طمس دلالات الشعائر الدينية في نفوس
المسلمين. مثل " مسلم ملتزم " و " مسلم غير ملتزم " أو "
مسلم غير ممارس للشعائر الدينية "، وغير ذلك من تصنيفهم إلى فئات مصطنعة لصرف
هممهم، وتخفيف الميول الدينية في ضمائرهم.
السيد
الرئيس، اسمحوا لي بكلمة واحدة عن الحملة الصليبية الجديدة "
لعلمانيي الجمهورية " الموجهة ضد الإسلام.
عن الحملة الصليبية الجديدة " لعلمانيي الجمهورية " ضد الإسلام في فرنسا، نقول :
إنما ما
يحلمه " علمانيو الجمهورية «ليس مجرد وضع «نظام تربوي «، بل يريدون إيجاد
"مدونة أسس الحياة العلمانية «، وليسوا اليوم فقط في مرحلة الحلم، بل يسعون
لفرضها على الآخرين، خاصة على إخوانهم المواطنين أصحاب المعتقدات الدينية،
والراغبين في أداء طقوسها كما ينبغي، وكذلك على كل شخص يريد أن يعيش على الأراضي
الفرنسية. وكما هو معلوم أن هذا الإقصاء يستهدف خصيصا الإسلام، ثاني أكبر ديانة في
فرنسا، الذي يبلغ تعداده أكثر من ستة ملايين من الأتباع، الذين ما زال المواطنون
غير المسلمين يعتبرونهم حتى الآن دخلاء في فرنسا. لأن العديد منهم، بمساعدة
الدعاية العلمانية، يعتقدون أن قيام المسلمين بأداء صلواتهم علنا، علامة بارزة
لرفضهم "الاندماج في المجتمع الفرنسي". ويرون الشيء نفسه في مطالبة
المواطنة المسلمة خدمات قابلة عند الولادة، إن أمكن، بدلا من أن يفحصها
"الرجل القابل"!
ويجب أن
نذكر هنا بأن المطالب الرئيسية خلال أحداث العاشر من ديسمبر عام 2005 الممثلة
للاحتفال بالذكرى المئوية لـ " قانون الفصل"، كانت تدور حول إعادة وتوسيع
" قانون 1905 " مع تطبيق مفهوم "علمانية بلا حدود"، وتخصيص
الدعم الحكومي من الأموال العامة " للمدارس العمومية " فقط ...
وإلغاء
" قانون البابوية " للألزاس وموسيل!
ونلاحظ في هذا المحفل الكبير، حيث كان" علمانيو الجمهورية "
يدافعون عن قانون سنة 1905، حضورا مكثفا من طرف نشطاء الجمعيات مثل: «الفكر الحر"،
وأصدقائهم من "جمعية صداقة أطفال الأرملة" مع بعض الكهنة مثل جان ميشيل
كيياردت، الزعيم السابق لمحفل "غران أوريان ده فرانس" (2005-2008). وكان
كذلك من بين الحضور أعضاء جمعيات أخرى مثل "اتحاد الملحدين "، و "
الاتحاد العقلاني "، و " الاتحاد الفوضوي "، " اللجنة
العلمانية للجمهورية "، "الحركة الأوروبية والعلمانية «(CAEDEL)، وجمعية «لو شوفالييه دي لا بري "
والاتحادات الجهوية للفكر الحر. ورغبة في إفضاء طابع عالمي على الأحداث، كان هناك
موكب دولي بقيادة بابو غوجينيني المدير التنفيذي لـ " الاتحاد الدولي
الإنساني والعلماني «(IHEU)،
وهو منظمة تضم جمعيات إنسانية، ملحدة، عقلانية، ومفكرين أحرارا، وعلمانيين.
قبل أن
ننهي الكلام عن الأصولية العلمانية " لعلمانيي للجمهورية"، يجب أن نشير
إلى أن هناك بعض الأشخاص يشبهون الطابع الديني للعلمانية الجمهورية بشكل فرنسي
" بالإلحاد العلمي " البلشفي.
وتعلمون
أن هذا المذهب الضيق والباطل كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل الشيوعية الروسية
وانهيار الاتحاد السوفياتي. هكذا يلعب التاريخ بالناس، لأنه بعد انتصار البلاشفة،
كانت محاربة الدين في مقدمة برنامج التربية الايديولوجية للشيوعية. صحيح أن مكافحة
جميع التيارات الظلامية والقوى الرجعية في الماضي كان لها مبرراتها بوجود مجموعة
متنوعة من الأسباب، التاريخية والاجتماعية والفلسفية وغيرها، التي سببت في نشأة
عقيدة الخلاص الشيوعي.
ولسوء الحظ،
فإن التعزيز الأعمى " للإلحاد العلمي " البلشفي، مثل الثورة الفرنسية والإرهاب
المنبثق عنها، قد أدى إلى نفس المذابح والمجازر. إن الشيوعيين، لتعجيل انتصار مذهبهم
وإقامة الحكم الشيوعي، لم يكونوا يترددون في إنالهال بضربات " المطرقة
الثورية " على رؤوس رجال الدين المسيحي، ورجال الدين اليهودي والأئمة
والعلماء المسلمين. وبالتالي كانوا يهدمون النظام الديني -مع مقدساتها وممثليها
ورموزها - ليحل مكانها " الإلحاد العلمي " الجديد.
ألهمت
مواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها صعود الإسلام بين الجيل الجديد من المواطنين
الفرنسيين المنبثق من المهاجرين، فقهاء شريعة الدين العلماني فكرة وإنشاء "
المرصد الوطني للعلمانية " في مارس عام 2007. في الواقع، كانت هذه الفكرة مثارة
من قبل الرئيس شيراك، في كلمته التي ألقاها عبر التلفزيون يوم 17 ديسمبر عام 2003،
حيث أعلن بالتصويت مستقبلا على القانون يحظر من استخدام " الرموز الدينية
الظاهرة" في المدرسة. في هذه الكلمة التي كانت تحت عنوان "الخطاب
المتعلق باحترام مبدأ العلمانية في الجمهورية "، أشار الرئيس شيراك إلى أن
مبدأ العلمانية هو " حجر الزاوية للجمهورية" ، وبعبارة أخرى هو "
دين الجمهورية" .
السيد
الرئيس، اسمحوا لي بكلمة واحدة عن " المرصد الوطني للعلمانية
"
هذه
الفكرة ظهرت رسميا في مشروع القانون الذي قدمه جان جلافانى من أجل تعزيز العلمانية
في الجمهورية. بتاريخ 28 من يونيو عام 2006، تحت رقم 3236. وكان هذا المشروع يتضمن
ثلاثة موضوعات: " العلمانية في المجتمع، و " العلمانية في المؤسسات
العامة " و " العلمانية في المدرسة. "
وكان هذا
المرصد الذي يشرف عليه رئيس الوزراء، يتألف من الأكاديميين والباحثين والمؤرخين
والفلاسفة وعلماء الاجتماع وغيرهم، وكانت مهمته «تغذية النقاش العام ببحوث علمية
حول العلمانية، وإبداء الآراء ووجهات النظر المختلفة إما بأمر من الحكومة والبرلمان،
أو بمبادرة من أعضاء المرصد نفسه حول قضايا الساعة التي يثيرها تطبيق مبدأ العلمانية،
والإجابة عن الأسئلة التي يقدمها الخواص من الناس عن المحتوى الحقيقي لهذا المبدأ.
في الواقع لم يكن هذا " المرصد الوطني
للعلمانية " أقل من هيئة المراقبة، التي تتمثل مهمتها في تغييب دور المسلم عن
الحياة العامة في فرنسا. ومن غرائب الصدفة، كان من المفترض أن تبدأ هذه المؤسسة
الرقابية العلمانية عملها في شهر نوفمبر 2011، وذلك بتعيين الحكومة رؤساء المحققين
لمدة أربع سنوات.
ومما لا
شك فيه أن النقاش حول العلمانية لا يزال لديه جولات مستقبلية عديدة في بلاد "
نجل الكنيسة المرتد " أي فرنسا، خاصة أمام إصرار المسلمين الفرنسيين على
التمتع بكامل حقوقهم في الالتزام بتعاليم دينهم. وذلك بغض النظر عن الموافقة أو
غير المرافقة عليها من قبل القوانين الدولية، مثل المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية
لحقوق الإنسان، التي لا تنص فقط على حق كل إنسان في اعتقاد أي شكل من أشكال
العقائد الدينية أو الإلحادية، بل تقنن حق الفرد على ممارسة الطقوس وفق تعاليم
دينه شريطة ألا يؤثر ذلك على السلامة الجسدية أو المعنوية للآخرين. وبالتالي
فيتعين على المسلمين الفرنسيين أن يخوضوا المعركة من أجل التمتع بكافة حقوق المواطنة
المتمثلة خاصة في حرية التدين، ويرفضوا أن يكوا مسلمين شكليين سقطوا في طي
النسيان. لأن ذلك هو الرغبة العميقة لكبار المسؤولين في الجمهورية و" علمانيي
الجمهورية، "الذين يستعجلون تطبيق "إصلاح لاهوتي" على الإسلام، ورؤية
المواطنين المسلمين يأكلون لحم الخنزير ويتعاطون شرب الخمر وينغمسون في المغامرات
الجنسية مع مواطنات مسلمات كاسيات عاريات. لأن في بلاد
آلهة ماريان بدلا من الملابس الخليعة يعتبر الخمار الإسلامي " الحجاب"
هو " رمزا للظلام " و " علامة للعدوان " ضد المواطنين.
وبطبيعة
الحال، فإن المسلمين الملتزمين بتعاليم القرآن، يدركون حقيقة هذه المؤامرة، لأن
الله سبحانه تعالى حذرهم منذ خمسة عشر قرنا مخاطبا نبي الإسلام: "ولن ترضى
عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله والهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد
الذي جاء ك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير " (2: 120).
جدل حول
" الحجاب الإسلامي "
وعلى
سبيل التذكير نشأت قضية "الخِمار الإسلامي " أو " الحجاب" في أواخر 80 ومنتصف
90، حيث كانت بمثابة محفز للحملة الصليبية للجديدة " لعلمانيي الجمهورية
". الذين استغلوها كوسيلة فعالة لتحويل النقاش العام عن أولويات الوطن
الحقيقية، مثل تقويض الحريات المدنية، وبسط الرقابة الاجتماعية والاعتبارات
الأمنية، والتمييز بجميع أنواعه (الاجتماعي والاقتصادي والعرقي، وما إلى ذلك)،
والبطالة، وانعدام الأمن على نطاق واسع، الخ.
يجب
علينا أن نذكر، بشكل حكاية، أن قضية " الخمار الإسلامي" التي هزت فرنسا
العلمانية، انطلقت من حدث بسيط، حينما قوبلت مديرة مدرسة إبينال بتصرفات غير لائقة
من قبل إحدى الطالبات التي كانت في ساحة المدرسة خلال الاستراحة.
وفجأة
انتقلت القضية إلى " القيادات الأكاديمية " التي، بعد مداولات، قبلت
أخيرا للفتيات حق ارتداء الحجاب داخل فصول الدراسة. بعد حاثة مدرسة إبينال، قرر "علمانيو
الجمهورية" استغلال أحداث كلية غابرييل حفيز حينما قام المدير بطرد فتيات
ارتدين " الخمار الإسلامي " بحجة أنه "علامة دينية دعائية "
تتعارض مع حسن سير العمل في المدرسة. وعلى أعقاب احتجاجات واسعة أثارتها القضية،
ألغي هذا القرار الجائر وسمح للفتيات بالعودة إلى المدرسة بحجابهن، وذلك بفضل
مفاوضات تمت بين الآباء وسلطات المدرسة.
ثم أثير الجدل من جديد حول قضية " الحجاب
الإسلامي " بسبب مرسوم إداري بعث به فرانسوا بايرو، الوزير الجديد للتربية
والتعليم، إلى جميع مديري المؤسسات التعليمية. وبهذا المرسوم الجديد أصبح "
الحجاب الإسلامي " يعرف بأنه "علامة دينية بارزة في حد ذاتها "
تترجم موقف دعاية، على عكس الصليب والطاقية اليهودية اللذين يعتبران" علامات
دينية خفية ". وعليه، فقد أمر الوزير جميع مسئولي المؤسسات التعليمية بمنع
الفتيات المتحجبات من دخول مدارسهم. توجه جديد، اعتداء جديد. لأنه لم ينص لا شكلا ولا مضمونا في "قانون
الفصل لعام 1905" على أن العلامة الدينية تتعارض في حد ذاتها مع العلمانية.
يجب أن نذكر هنا أيضا أن هذا المصطلح لم يرد في أي نص من نصوص هذا القانون
الإنجيلي. بغض النظر عن الآراء الإيجابية المختلفة لمجلس الدولة التي تؤكد حرية
الدين، ولذلك لا يزال الحكم على مسألة " الرموز الدينية الظاهرة " في
المدارس، على حالة القياس الفقهي في المحكمة الفرنسية، رغم كونها سلاحا فاعلا
لمعركة "علمانيي الجمهورية".
لجنة
ستازي
الحقيقة
إن خيبة الأمل التي مني بها "علمانيو الجمهورية" في هذه القضية قد أدت بـهم
إلى الاقتناع بحل تشريعي لمواجهة العناد القضائي لمجلس الدولة الفرنسي. كما
استخدموا الأدلة النسوية الخبيثة، لإثارة التهمة من جديد في ربيع عام 2003، مع
تواطؤ فعال من وزير الداخلية آنذاك، نيكولا ساركوزي، على وجوبية رفع الخمار الإسلامي
عند اتخاذ صورة لبطاقة الهوية. وهكذا بسبب هذه الذريعة الكاذبة تم إحياء الجدل حول
" الحجاب الإسلامي «، مما أدى إلى اندلاع حملة واسعة من التسمم الإيديولوجي
للرأي العام، وحشد حجج من بينها " الدفاع عن حقوق المرأة «. وبالتالي القول
بأن " الحجاب الإسلامي " يرمز إلى اضطهاد المرأة المسلمة واستعبادها.
مما أدى إلى إنشاء «لجنة ستازي " الشهيرة في الثالث من شهر يوليو لسنة 2003.
في
التاريخ المذكور أعلاه، وبأمر من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، تم إنشاء هذه اللجنة
المكلفة بدراسة كيفية تطبيق مبدأ العلمانية، كما طلب منها إعداد تقرير، في وقت لاحق.
و في مايو 2003، أصدرت اللجنة تقريرا سمي بـ "تقرير باروان " - اسم نائب
رئيس الجمعية الوطنية ، باروان -. تحت عنوان:
" من أجل علمانية جديدة «. قد أشار هذا التقرير إلى أن قضية العلمانية قد
تسللت من المجال الديني إلى مجال الثقافة والهوية. مما جعلت اللجنة تصدر توصيتها
الرئيسية لإنشاء "ميثاق للعلمانية " التي من شأنها أن تحشد جميع النصوص
ذات الصلة الموجودة.
كانت
فكرة الرئيس شيراك في إنشاء هذه اللجنة تحت رئاسة برنار ستازي - الذي كان أمين
المظالم في الفترة 1998-2004 -إيجاد حل نهائي لهذا النزاع. وهكذا أسفرت أعمال
اللجنة عن وضع حل تشريعي شامل مرتبط بـ " الميثاق الجمهوري للعلمانية
". وفي النهاية، قدمت اللجنة عشرين
مقترحا من شأنها أن تعزز مبدأ العلمانية في أذهان المواطنين. ويمكن أن نذكر على
سبيل المثال لا الحصر بعضا من هذه التوصيات : إقامة "يوم ماريان "
المخصص سنويا للعلمانية ، وتسهيل وصول المفكرين الأحرار إلى تلفزيونات الخدمة
العامة ، وتقديم دليل عند استقبال المهاجرين، و شروط اكتساب الجنسية الفرنسية ، و
كيفية الحصول على بطاقة الناخبين و الدخول في المدرسة ، وضرورة توقيع المعلمين على
" ميثاق العلمانية " ؛ و استنكار الاتفاقيات الدولية التي تعترف بتعدد
الزوجات أو الطلاق ، وإدخال تشريعات حول
التزامات المرضى في المستشفيات ،
أو قانون الشركات المتعلقة بالأزياء و ارتداء الرموز الدينية .
وبالنظر
إلى منحى هذه الأحداث لا نستغرب إذا رأينا اللجنة تؤكد مبدأ " الميثاق
الجمهوري للعلمانية " في توصيات تقريره المسلم بتاريخ 11 من ديسمبر 2003.
وهكذا أصبح هذا المبدأ المسبب الأساسي لقانون
2004-228 الشهير، الصادر في 15 من مارس 2004، والذي يحظر الطلاب من «ارتداء
الزي الديني أو الرموز الدينية الظاهرة " في المدارس الابتدائية والثانوية
للتعليم العام في فرنسا.
والواضح
أن " الرموز الدينية الظاهرة " المشار إليها هنا ليست الطاقية اليهودية
ولا الصليب المسيحي، بل المقصود منها بالتأكيد هو «الحجاب الإسلامي" والمهم
أن هذا الميل الصارخ لإصدار تشريعات ضد المسلمين كشف عن عقيدتهم الديمقراطية الزائفة
للدفاع عن القيمة المطلقة لـ " الحق في التعلم ". لأنهم يرفعون دائما
مبدأ ضمان " حق الجميع في التعلم " كأحد الأسس التي تنبني عليها المدرسة
الجمهورية العلمانية.
فخامة
الرئيس، اسمحـوا لنا بأن نركّـزَ كلامنا حول "السنغال المسـتـقـلة".
السنغال "المسـتـقـلـة " و"العـلمانية"
يـنـصّ
الدستور الفرنسي 1958 في بنده الأول ما يلي: "إن فـرنسا جمهورية لا
تـتـجـزّأ. هـي دولة عـلمانية ديمقراطية اجتماعـية. هـي تَضمَن، أمام القانـون،
المساواة بين جميع المواطنين بدون التمييز الأصلي ولا العـنصري ولا الديني. كما
تحترم، أيضا، جميع الاعـتـقـادات (...)".
في
حقيقة الأمر، إن هـذا النـص الدستوري، كما لاحظناه، إن هـو إلا سلسلة أكاذيب. ليست
فـرنسا جمهورية لا تـتـجـزّأ. ولا دولة عـلمانية ديمقراطية اجتماعـية.
وفي
نفس الإتجاه، يـنـصّ الدستور السنغالي في بنده الأول كما جاء في الدستور الفرنسي:
" إن السنغال دولة عـلمانية ديمقراطية اجتماعـية. هـي تَضمَن، أمام
القانـون، المساواة بين جميع المواطنين بدون التمييز الأصلي ولا الجنسي ولا
الديني. كما تحترم، أيضا، جميع الاعـتـقـادات (...)".
دولة السنغال دولة عـلـمانية!
كما
سبق ذكـره أعـلاه، إن إعـلان العَـلمَنَـة الدستورية لدولة السنغال كان سببَ أولِ
خَـطْـفِ سيادة الاختيار الذي من حـقـوق الشعب السنغـالي.
وعلى
هـذا الأساس، وجّهـت النخـبة الارتدادية، التي تـحمل الثـقافة الفرنسية، إهـانـة
إلى الشعب السنغالي. وما هـذا إلا خـداع كـبيـر قاموا به. فهـذه النخـبة كانت
تحالف فـرنسا الاستعمارية الجديدة، كما كانت تخـدمها. ومن مهـمات النخبة هـذه،
ضمانة استمـرارية المصالح الفـرنسية.
لا
تـوجـد قط، في السنغال، جمعـية تأسيسية تـردّ الشعـب سيادته لكونه أهـل لاختيار
الحياة الاجتماعـية التي تليق به، وذلك عـن عـلم وبصفة حـرة. فـلا بـدَّ من
الإشارة إلى أنَّ نجاحَ الخـداع الدستوري لا يكـون إلا مـع التواطـؤ الضمني الذي قام
بـه بعـض النخبة المستعـربـيـن وبعـض الخلـفاء وبعـض زعـماء الطرق الدينية.
قال
إرنست رينان Ernest
Renan في خـطابه تحت عـنـوان "الإسلامية
والعـلم": "وهـذا يعني (...) أن نصلَ إلى حالة اللامبالاة اللطيفة
حـيث تـصبـحَ العـقائـدُ الدينية غـيـرَ مؤذيـةٍ. وذلك، قـد حـقـقـناه جزئيا في
البلدان النصرانية. ونـرجـو أن نـقـوم بنفس العـمل لـلإسلام. (...) إن إحـياء
البلدان الإسلامية سـيـتـمّ عـن طريـق إضـعـاف دين الإسـلام، (...) بينما تحـسـيـن
وضـع إسـلام المسلم هـو خير خـدمـة يـلـيـقه به. (...) مـع مرور الزمـن سوف
يـنـقـطـع بعـض البلدان نسبيا عن دين القرآن (...). فـإن من واجبات المجـتـمع
المدني، عـدم هـدم الأديان ومعـامـلـتها على وجـه لطيف (...). وبالخصوص، لا يجـوز
الدفاع عـنـهـا ضد أتباعـها الصادقـين الذين في طريق اعـتـزالهـا. نعـتـقـد أن تلك
الأديان سوف تـتـغـيّـر صـفـتُـها تماما، كما سوف تـتـفـتّـتُ تـفـتّـتـا.
أصبحت
الأديان نُـاقـصة ولا قـيـم لها. إن هـي إلا أشياء شتى تـدخـل في إطـار فـردي
مـثـل الأدب والذوق، (...). إذا كان ذلك خيالا في الوقـت الـراهـن، سوف يكـون
حـقيقيا في المستـقـبل (...)!".
فهـذا
الخطاب دليل قاطـع كما رأيناه. وعـلى كلٍّ، فقـد تـمّ توزيـعُ الأدوار بين
الكـتائب العـلمانية المخـتـلفة. وذلك، منذ عـهد رُوّاد مـؤسـسِي "إخـوانية
أطـفال الأرملة" (Fraternité des Enfants de la Veuve).
تَـجاهـلَتْ أغـلبيةُ أتـباع العـلمانية من مجتمعِـنا المدنيِّ مداخـلَ أدوارهـم
الرديئة ومخارجَـها التي يتولَّـونها انطلاقا من محافـل مرشدي الروح المفكـرين
الأحـرار المقـيـمـين في الـغـرب. ولكـنه، عـلينا أن نشير إلى أنّ الأعـضاءَ
الراسخين في إيديولوجية العـلمانية يعـرفـون تماما هـدفَ أدوارِهم التي يلعـبونها
في الساحة.
فلنقـف،
ولـو قليلا، عند مصطلحة "المجتمع المدني" (Société Civile).
هـي عـبـارة كـثـرَ استـعـمالها في الساحة السياسية السنغالية.
عـلى
السبيل المثال، فلنعُـدْ إلى التعـريف التالي كـي نُـدركَ مـدى مفـهـوم هـذه
المصطلحة. جاء في التـعـريف: المجتمـع المدنـي هـو "جميع العـلاقات التي تدور
بين الأفـراد وجميع الهيـئـات العـائلية والاجتـمـاعـية والاقـتـصادية والثـقافـية
والدينية التي تـعـمـل، بقـوّة، في مجتـمـع ما، بـعـيدا عــن إطـار الدولـة
وتدَخّلِها في تحسين ظروف حياة السكان".
اعـتمادا
عـلى ما جاء في هـذا التعـريف، يمكن أن نفهـمَ أن الـعبارةَ نفـسَها تـرجـع إلى
شمولية المجتمع ما عـدا الدولة. وفي الحقيقة، ليس هـناك مفهوم غـامض، لا قلبا ولا
قالبا، لـدى المفـكـرين الأحـرار في عـهـد زيل فيري Jules Ferry.
هـم كانوا يستعـملون تلك العـبارة. فـعـلا، هـي عـبارة واضحة كـعـين الشمس. هـي
تـرجـع إلى مقاومة الإكليروسية (anticléricalisme)
لأجـل الإشارة إلى تناقـض "المجتمع المدني".
نظرا
إلى السهولة السياسية بل وإلى المخادعـة السياسية، تـمّ اللجوء إلى تميـيـز بين
الدولة و"الأفـراد الـوسطاء" الذين يهتمّون بالوِساطة بين الدولة
والفرد، وعـلى الخصوص، الهيئات العـائلية والاجتماعـية والاقـتـصادية والـثـقافـية
والدينية وهـلم جـرا.
ونظرا
إلى ما وراء المخادعـة السياسية، إن المسؤولية التي تـقـع عـلى عـاتـق أتـباع
العـلمانيين في المجتمع المدني كانت واضحة في الخطاب الذي ألقاه سابقا إرنست رونن Ernest Renan، وهـو يستعـمل عـبـارات على مثال "إضعـاف الإسـلام"
و"تحسين إسلام المسلم" و"انقطاع دين القرآن"!
طبعًا،
في سياق هـذا النـزاع الجديد الموجّه ضد الإسلام، فلا بد من الإشارة إلى أنّ ما
كانوا يدافعـون عـنه لا يتجاوزُ عـن الأفـكـار المُـثلى والأكاذيب التي ترجع إلى
مفاهيم "الحرية" و"المساواة" و"حقوق
الإنسان"[2]
والديمقراطية. وبمجرد دعـوة إلى الديمقراطية، كانت الأجداد والآباء مضايقين
ومسلـوبين ومستعـبدين!
شيئا
فشيئا، ندرك جهودَ المبذولةَ من قِـبَـل الكـتائب العـلمانية للدولة كما ندرك ما
تبذله من جهود جنودُ حقوق الإنسان والأنصار النسوانية الأصليين. وعـلى كل حالٍ،
هـم مستعـدّون لـتـنـفـيذ مهامّهـم الرديئة. حسب اعـتـقاداتهـم، هـذا التـنـفـيذ
"مسؤولية لازمة" وقعـت عـلى عاتـقـهـم، كما أشار إليه إرنست رينان
Ernest Renan.
من
ثَـمَّ، نفهـم مدى تـناقضاتـهـم متنافـرة تجاه كـل خطاب يدعـو إلى إثبات الهوية
الإسلامية السنغالية عـلى الصعيد الدسـتوري. كما كان معـروفا، إن بلد السنغال بلد
إسلامية منذ زمنٍ قديمٍ. حسب آراء هـؤلاء المـزّاحين العـابـثـيـن، إذا كان %97 من
المسلمين يسعـون إلى جعْـلِ السنغال دولة إسلامية وسكّـانِها المسلمين، بغـض النظر
عـن مصيرِ الشعبِ السنغاليِّ غـيرِ المسلمِ الذي يمثل %3 من السكان، تؤدّي هـذه
الحالة إلى عـدم استـقـرار "الوحـدة الوطنية" وإلى "العـصبية".
بالطبع،
فـهـذه الآراء تسبُّ، بلا شك، العـقل الصحيح الذي يبدو أن يكـونَ "أفضل
الفكـرة المشتـركة في العـالم". وعِـلاوة عـلى ذلك، إن هـؤلاء
المرتـدِّين يُـلـوِّحـون بـفَـزَّاعـة "الجمهورية الإسلامية"
قـصدًا. لأنهـم يُوجَّهون إخـوانَهم في العـقيدة إلى أن يُـعـبّـروا عـن
رغـباتـهـم الدينية التي تمكّـنهم من تطبيق دينهم في كـل يوم صباحا ومساء. علينا
بالعـلم أن المرتـدِّين يتصرّفـون من تلقاء أنفسهم لتوطيد عـلاقات زَواجِهـم
بمحرّمٍ مـع العـلمـانية. في
هـذه
الحالة، إن التظاهـرة الابتـدائية التي تُمثّـلُ مثال الحياة المقـصودة في
الإسلام، تـعـود إلى أداء الصلوات المفروضة الخمسة في أوقاتها المحددة. وفي الحالة
الراهـنة، فلا بـدّ من وقـف العمل ومن وقـفـة الدورات البرلمانية ومن تـرك
الاجتماعات (السياسية) والمصارعـة التـقـليدية "Lamb (lutte traditionnelle pratiquée au
Sénégal)"، وجـميع النشاطات التي لا تأثـير
لها في حياة الإنسان المُثلى، كـي نـقـومَ بوفاء العـهـد الذي عـاهـدْناه مـع
"الله رب العـالمين".
وفيما
يخص المصارعـة التقليدية، فـنحن نُـعْـرِب عـن أسفـنا الشديد أمام الدور
المُـعـجّـل الذي كانت تلعـبه التلفـزة في مهمة التـشجيع والتـقـوية الموجّهة إلى
"الغـفـلة الدينية" التي أشـرنا إليها سابقا. لأنه، نظرا إلى
تـوغّـل العـبارة "أفـيـون الشعـب" (opium du peuple)
المتـزايد في حلقات جَمْهـرة الناس، نـدرك أن لهـذه الـعـبارة المذكـورة آنفـا
مكـانا مـرموقا في سلسلة برامج التلفـزة التي تـركّـز جهودها على نشر الموسيقا
والرقصات الخَـلاعِـيّة والاستطلاعـات الرياضية، ولا سيما على نشر المصارعـة
التقليدية. في هذا الصدد، قـد سبق أن قمنا بعـرض مسألة "الإحاطة بالمسلمين"
في نصِّـنا "لأجل الإسلام".
واللهِ،
نُـعـبِّـر عـن أسفـنا، بأصوات باكـية، إذا نرى زعـماء الدين والعـلماء والشيوخ قد
بـقـوْا ساكـتـيـن أمام ما لاحظناه، بقـوة، من الإمتهان ومن التفاخـر المؤدي إلى
الغـفلة الدينية، وخصوصا أمام مغـالاة الطنطنة والموسيقا الأخرى التي نُـشـرت في
وقـت أداء الصلوات الخمس المفـروضة. بوجه الاحـتـمال، نرى أنهم يقـومون بالدفاع عـن
طـرقهم الدينية، كما يقومون بمراعاة مصالحهم الاجتماعـية والدَّوْلـية.
وبالتالي،
اسمحوا لنا، فخامة الرئيس، بأن نـقـولَ شيـئا حول قضية "حجاب
المرأة المسلمة" التي جاءتْـنا من الكـنيسة الكـاثـوليكـية السنغالية،
مـع العـلم بأن أتـباع هـذه الكـنسية هـم انتهازيّون وحلفاءُ عـلمانيـي الدولة.
تـعـرض الكـنيسة الكـاثـوليكـية لحجاب المرأة المسلمة
فلا
بـد من العـلم بأن مجموع ميزانية المساعـدة المالية المخصصة للتعليم الحـر من
وزارة التربية الوطنية يـرجـع إلى التعـليم الكـاثـوليكـي الحـر. وجـدير بالذكـر
أن %97 من مساهمات المسلمين السنغاليين كانت مخصصة للتعـليم الكـاثـوليكـي الحـر.
وذلك، منذ عـهد الاستـقـلال المفترض إلى يومنا هـذا.
وهـذا
يـدل على أنه، هناك %10 فقط من الميزانية الموجهة إلى تعليم الحـر المعـروف بـ
"تعـليم العـربية الإسلامية". مـع ذلك، كانت الدولة مضطـرّة، في سنة
2009، إلى اعـتبار التعـليم في المدارس القـرآنية (daara)
طبقا لتقـديـر "المعـدّل الإجمالي للتعـليم". وعليه، تسعى إلى إدخال
التعليم الديني للاستـفـادة، على وجه مستمر، من التمويلات التي قـام بها
المُموّلـون مثل برنامج الأمم المتحدة للإنماء (PNUD)
وصندوق الأمم المتحـدة للسكان (FNUAP) وصندوق الأمم
المتحدة للطفولة (UNICEF) والبنك الدولي (Banque Mondiale).
والشيء
الآخر الذي يجب ذكـره، هـو أن الدولة رأت يقينا تـناقـص معـدّل التعـليم على
الصعـيد الـوطني. ولذلك، رأت ضرورة اعـتبار التعـليم القـرآني في النظام الدراسي.
ومن ثّـمّ، علينا أن نذكر أيضا يأن 164 دولة قـد دافعـت عـن هـذا البرنامج الذي
يهـدف إلى التعـليم الأساسي للجودة لجميع الأطفال والشباب والكـبار، خـلال الندوة
العـالمية المنعـقـدة في دكار، سنة 2000. والندوة نفسُها استهدفت ستة أهـدافٍ يجب
تحـقـيـقها قـبل عـام 2015.
طبعا،
ليس أمرا عـجيبا عـدمُ قـبول بنات المسلمين في المدارس الكـاثـوليكـية الحـرة
بمجرّد وضع الحجاب، إذا ألقينا النظـر إلى كـسل المسلمين طـرّا، بما فـيهم المثـقـفـون
المستعـربون وزعـماء الدين وشيوخ المدارس القـرآنية (Sérigne daara).
كـأنهـم نائمون وهـم لا يشعـرون شيئا يخـص دينهـم. فـي السنة الدراسية 2011-2012،
أخـذت إدارة التعـليم الكـاثـوليكـي بالسنغال قرارا يسعى إلى طـرد البنات اللاتي
يَضَعْـنَ الحجاب الإسلامي.
وعلى
كـلٍّ، يمكن عـدمُ ذكـر بأن هـناك نسبيا 4/3 من أولاد المسلمين،
ذكـورا وإناثا، يدرسون في المدارس الكـاثـوليكـية. وحتى المعـلمون، أكـثـرهـم
مسلمون. وهـذا هـو سببُ دعـوة البعـض إلى الحوار الإسلامي النصراني؛ بينما الآخرون
يفـضّلون تركـيز الجهود المبذولة على "جودة التعـليم الأحسن".
هـناك
فريقـان من المخـدوعـيـن!
نظرا
إلى هـذا الجدال السنغالي-السنغالي الذي يخص وضع "حجاب المرأة المسلمة"
في المدرسة، صار لازما إتـيان بـبـعـض الذكـر. وتأسيسا على ذلك، نُوجِّه نقـدَنا
إلى هـؤلاء اللامسؤولـيـين الذين تولوا التعـليم الكـاثـوليكـي الحـري. فعلا، هـم الذين
طـردوا البنات المسلمات اللاتي يَـتَـقَـيَّـدْن بمبادئ الإسلام.
بالطبع،
إن هـذا القـرار شيء باطل لا أساس له في التوراة ولا في الإنجيل. لأن هاذيْـن
الكـتابيْـن يدعـوَان إلى وضع الحجاب. وبالتالي، إن الذين يدّعـون امتـثال أوامر
التوراة والإنجيل يجهلون تماما ما جاء به موسى وعـيسى، عليهما السلام. فكـل على
عـلم بأن مبدأ "وضع الحجاب" مبدأ سبق ظهور الإسلام. إنما هـو أمر واجب
على المرأة كما وجدناه في مصر القديمة Egypte antique وفي
أَسِـرِAssyrie . إن مبدأ "وضع الحجاب" يمثل جَـدَارة الاحـترام ولا
يمثل، نوعا من الأنـواع، العـبودية. عليكم بالعـلم أن هـذه العـادة كانت معـروفة
ومطبقة في الدين الذي جاء به موسى، عليه السلام، وبقيتْ طوال عـصر اليهودية
النصرانية. على سبيل المثال، فلنتأمل الحوار الذي دار بين ذكـوب Jacob
وريبكـا Rebecca
في زونيز Genèse (24 : 65)، الكتاب الأول
من التوراة : "قالت للخادم : "من هـو هـذا الرجل الذي لاقانا في
الحـقـول"؟ ردّ الخادم: "هـو ربي". وفي الحين، احتجبت".
وتـفـتـتـح الآية الأربعة من كـتاب كـنـتـيـك (Cantique 4) بهـذه الصيغة: "ما أجملتِ أنتِ يا صديقتي (...) مع حجابِكِ.
وشعـرُكِ على مثال ماشية من الأمْـعُـزِ". ونجد في الآية الثالثة من
كـنـتـيـك (Cantique) ما يلي: "(...) وفمُكِ لطيفٌ. وخـدُّكِ كنصف رُمَّانة، مع
حجابِكِ".
وفي
الآية الثانية من الباب 47 من كـتاب إيزي Isaïe، نقرأ:
"خـذِي المِسحقَ، واطْحَـني الطحين، واخلَعِي حجـابَكِ، وارفَـعِـي أذيال
فستانِكِ، واكـشِـفي عـن ساقـيْكِ، واعْــبُـري الأنهار".
يقول
سين بول Saint
Paul في أول رسالته التي أرسله إلى
كـورنـثـيـين (Corinthiens
XL, 6-10): "لأنه، إذا كانت المـرأة غـير
محجوبة، فـعليها أن تـحـلـقَ شـعـرَها. وكذلك، إن كانت المـرأة تستحيي أن تكونَ
ملحوقَ الرأس، فـعليها الحجاب. ولا يجوز للرجل أن يحجُبَ لأنه يمثـل صورة الله على
الأرض ومجدَه. بينما المرأة هـي فـخـرُ الرجل. وفي هـذا الصدد، ما تـمّ خَـلـقُ
الرجـلِ من أضلَاع المرأة. ولكن المرأة خُـلِقَـتْ من أضلُع الرجل. وكذلك، ما
خلِـقَ الرجلُ لأجـل المرأة. وبينما المرأة خلِـقَـتْ لأجـل الرجل. ولهذا السبب،
فعلى المرأة أن تحجُبَ كي لا يروْها الملائكة على حالة غـير محجوبة".
لا
حاجة إلى تعـميـق قول سين بول Saint Paul، فلنأخـذْ
فـقـط ما قاله، على وجه بسيط. نرى أن قـولَه يُوجـدُ في القرآن الكـريم. وهـذا
دليل على أن الحجابَ أمر محروم في الغـاية.
قال
جل شأنه وعـز كـماله: "يا أيها النبي قـل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين
يدنين عليهـن من جلابـيـبهـن ذلك أدنى أن يعـرفـن فلا يـؤذين وكان الله غـفورا
رحـيما" (الأحزاب، 59). وقال أيضا: "وقـل المؤمنات يـغـضـضن من أبصارهـن
ويحفظن فروجهـن ولا يبدين زينتهـن إلا ما ظهـر منها وليضـربن بخـمـرهـن عـلى
جيوبهـن..." (النور، 31).
مـع
ذلك، لاحظنا ولا نزال نلاحظ أن الأخـوات Sœurs في الدين
المسيحي لا يزلـن يُطـبِّـقـنَ وضع الحجاب، كما كـان يطبِّـقـه أيضا ضيوف بابا Pape في
فاتـكـان Vatican، وحتى زوجات رئيس دولة إيطاليا Italie.
في
الحقيقة، إن هـذا القرار الذي اتـخـذه أتـباعُ الكـنيسة الكـاثـوليكـية جاء
لتأكـيد الرُّعـب الشديد الذي أصاب سلطاتِ الكـنيسة العليا. لأنهم، لاحظون كـثرة
البنات المحجوبات في مدارسهـم. وعلى كـل حال، إن وعـيَ الهـويةِ الإسلامية من طرف
الشباب دليل قاطع على فـشـل مهمّة التـنـصير في السنـغال.
نرى
الكاردينال توودور أدريـين سار Cardinal Théodore Adrien Sarr،
مُـطـرانُ دكار، يدعـو الآباء المسلمين الذين لا يـقـبـلون هـذا القـرار إلى:
"عـدم تسجيل أولادهـم في المدارس الكـاثـوليكـية الحرية، إذا كان نظام تلك
المدارس غـيرَ لائـق لديهـم".
حسب
رأيه: "لا يُـقـبَـلُ أن تأبَ التلميذة المسلمة المصافـحةَ، أو الجلوسَ قـرب
ولدٍ في نفس المقـعـد، أو وضعَ بنطلونات قصيرة للرياضة، أو لبسَ بَـزّة دراسية
نظامية".
أكـيدًا،
نحن عـلى شفا حـفـرة من الفضيحة، إذا كـان الكاردينال نفسُه يدعـو إلى
"المصافحة" وإلى "مجلس البنت والولد في مقـعـد واحـد" وإلى
"أن تَـلْبسَ البنت سراويل قصيرة"؛ بينما كان واجبا عـليه أن يدعـوَ إلى
الـعـفّـةِ وإلى اللياقـةِ وإلى حـسنِ السلـوكِ.
إن
المسيح وأمه مريم القديسة والقسس وآباء الكنيسة وجميع خلفاء القديس بيير سيحمرون
خجلا عندما يرون واحدا من أعيان المقام المقدس يروج لـ: "مدرسة
الاختلاط" ويتفوه بكلمات جد إباحية. وموقف الكاردينال صار هذا مخيب للأمل
وثوري كذلك كما رأينا سابقا، فجميع هذه الإهانات والمكائد أمليت على كنيسة فرنسا
من قبل الجمهوريين من المفكرين الأحرار الفرنسيين الذين فرضت عليهم العلمانية
و" المدرسة بدون الله". وفيما يخص العلاقة بين التعليم العمومي والخاص ،
فقد رأينا في تعليم وتربية الشباب الكاثوليك أن الكنيسة قد حرمت رسميا على أتباعها
إرسال أبنائهم إلى "مدارس الاختلاط " وهو المنطبق تماما مع الكلام
المعصوم للبابا بي XI
المصرح به في 31 ديسمبر 1929 في رسالته الرسولية " دفيني اليوس ماجيستري
" السالفة الذكر حيث يقول :" (...)إننا نجدد ونؤكد بياناتهم [بي XI و
ليوو XIII] ومعها تعليمات القوانين المقدسة (...) لا يمكن بأي حال أن يسمح للكاثوليكيين بهذه المدرسة المختلطة (...) " وهذا
الاستنكار العلني للبابا في قرار بابوي ، بأنه " لا يمكن بأي حال أن يسمح
للكاثوليكيين بهذه المدرسة المختلطة " يذكرني بالتصريحات الحادة التي كان
ميشيلي يسجلها في جريدته (1861) "إن دير النساء التي تم تفتيشها من قبل أصدقائي في عام 1848 (...) تشهد بصدق تلك
الشائعات ، أنهن كن يعشن في اختلاط مذهل مع الرجال والرهبان ، مستسلمات لهم بلا
استثناء وهن أحيانا حبالى". وميشلي هنا يتناول الاختلاط بين الرهبان
والراهبات. إلا أن الكاردينال صار بدا بوكأنه يجهل بأن مبدأ الاختلاط منذ ثلاثة
قرون كان ممنوعا منعا باتا، على الأقل منذ الإصلاح إلى قيام الجمهورية الثالثة،
حيث كانوا يهتمون بعفاف البنات المعدات ليصرن ربات البيوت وأمهات. يتجاهل انه قد
مر زمن بسيط نسبيا على جيل الفصول المختلطة في المدرسة لم يتجاوز ثلاثة عقود إلا
بعد أن استنكره بشدة البابا بي XI بالختم البابوي
في " دفيني اليوس ماجيستري «، إذ إن مبدأ الاختلاط المدرسي لم يفرض على
النظام التعليمي الفرنسي إلا عند بدايات سنوات 1960. وينبغي أن نتذكر أن المرسوم
الصادر في عام 1816، والذي يعتبر النص التأسيسي للتعليم العمومي الفرنسي، كان يمنع
الخلط بين البنين والبنات في مجال التعليم. وحتى في عام 1808، وبالنظر إلى تنظيمات
القانون المدني فإن نابليون كان يمنع حضور الإناث في المدارس الثانوية. فالبنات لم
يكن يدخلن المدارس الابتدائية حتى منتصف القرن التاسع عشر (1836) . وقبل ذلك فإن القليلات اللاتي كن يتلقين التربية وليس التعليم،
كن يتلقينها في الجمعيات الرهبانية. ويبدو أن الكاردينال صار يجهل أيضا أن المربين
الماسونيين الأحرار من أنصار العقائد الوضعية كانوا، منتصف القرن التاسع عشر، حملة
مبدإ الاختلاط في مجال التعليم ونخص بالذكر بول روبن مع تجربته المشهورة بدار
الأيتام الكامبيس. والى هنا فالنظام المعتمد كان نظام الجيل السابق، نظام الكنيسة
الكاثوليكية وهو الفصل بين الذكور وبين الإناث في التعليم، ويهدف إلى إعداد هؤلاء
ليكن ربات البيوت مستقبلا. ومن العجيب تاريخيا أن الصحافة الكاثوليكية هي التي
قادت الحملة الاستنكارية الشرسة ضد دار الأيتام لبول روبن الذي أقام واحدة من التجارب
الأولى في الاختلاط المدرسي. وهكذا فان مجتمع الجمهوريين المفكرين الأحرار الذي
كان يدعو إلى مناهضة رجال الدين، وكان هذا المجتمع موسوما بأنه وكر للفساد الخلقي،
وأطلق عليه اسم زريبة الكامبيس. وبالرغم من الحركات النسوية المتواصلة ودعاة
المساواة بين الجنسين، فإن هناك أصواتا عالية في عالم التربية ترتفع من حين لآخر،
في الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا على سواء، تدعو للخروج عن تحريم عدم
الاختلاط في المدرسة.
سيدي
الرئيس! كنا دائما في خطاب أسقف دكار لصالح الاختلاط، داعيا البنات والبنين إلى
المصافحة والجلوس على المقعد نفسه ولبس السروال القصير ...!
فلنترك
ابن فاديوت المدير السابق للمدرسة الإكليريكية بـ: "نغازوبيل" الى طالب
إكليريكي آخر بارز في المهمة الكاثوليكية ذاتها وهو الرئيس الراحل ليوبولد سيدار
سنغور.
يبدو
أن ابن جوال الذي نزع ثوب الدين لصالح الآداب والسياسة وأعلن أنه بدلا من تحويل
المسلمين إلى مسيحيين فإنه سيجعلهم مسلمين ضعفاء. فقد أصبحت هذه الدعوى خبرا يقينا
عندما قام القاضي عثمان كمرا بنشر مذكراته حيث أشار إلى جريدة ايطالية "
لوبسيرفاتور دو رومانو" التي احتفظ بنسخة منها الخليفة السابق للمريدية عبد
الأحد امباكي، الذي زاره هذا الوزير السابق المقرب إلى الرئيس سنغور في مزرعته
بطوبى بيليل كاتبا : " قادني عبد الأحد إلى غرفة نومه قائلا لي : يعلم الجميع
أن انتصار سنغور ، وهو مسيحي، على كل من لمين غي و مامادو جه وهما مسلمان ، من صنع
أخي وسلفي فضيل ، إنني احترم ما صنعه أخي الكبير ، ولكن إيماني يمنعني من الترويج
ليرأس ملحد وطني. لقد اختار سنغور أولا وزيرا ليساعده على هدم الإسلام، متمثلا في
شخص عبد جوف الذي كتب بحثا يهاجم في جزء منه الطريقة المريدية ".
ةالمواقف
الخالدة للقرآن الكريم بخصوص ولاء المسلم لغير المسلم وذكرنا بالآيات التاليات:
﴿يا
أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على
الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون﴾،
{سورة التوبة، الآية: 23}.
﴿يا أيها الذين ءامنوا لا
تتخذوا الذين كفروا أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا
مبينا﴾، {سورة
النساء، الآية: 144}.
﴿لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك
فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير﴾،
{سورة آل
عمران، الآية: 28}.
﴿يا
أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أواياء بعض ومن يتولهم
منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾، {سورة
التوبة، الآية: 23}.{سورة المائدة، الآية: 51}.
(لا
تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم (...) أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم
المفلحون﴾، {سورة المجادلة، الآية: 22}.
وهذه الآيات الربانية ليست مجرد دعوة بل أوامر
جازمة:
﴿ولا
تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي
أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم إله واحد ونحن له مسلمون﴾، {سورة العنكبوت،
الآية: 46}.
فلنرجع
الآن إلى القاضي كمرا فيما يتعلق بزيارته للخليفة الأسبق للطائفة المريدية: "
قام وفتح ما يشبه خزانة، رجع وجلس مع كومة من الوثائق. ومد إلى نسخة من المجلة
"لوبسيرفاتور دو رومانو" مصحوبة بنسخة مترجمة إلى الفرنسية تتضمن مقالا
عن مقابلة مع البابا حيث أدلى فيها الرئيس سنغور: " لا أستطيع عمل شيء لأمنع
السنغاليين من أن يكونوا في غالبيتهم مسلمين ولكني سأعمل ليكونوا مسلمين ضعفاء."
سيدي
الرئيس! لا نعود إلى البراهين المفصلة فيما سبق حول النزاع المحتدم في فرنسا تجاه
الحجاب الإسلامي ولكن يلزم تذكير بعض منه لنضع الأمور في محلها.
عندما
تناولنا أصل إرساء مصطلح التعليم الحر في فرنسا بدلا من التعليم الكاثوليكي، عرفنا
كيف ذهبت الكنيسة متخاذلة إلى كانوسا كما فعلت بالضبط أمام الغول الجمهوري
العلماني. رأينا كيف تراجعت كليا بصوتها البابوي " المعصوم" عند ما
واجهتها.
سيدي
الرئيس! اسمحوا لنا بأن نقول كلمة حول الظلم الذي فرض على المسلمين فيما يتعلق
بقانون الأسرة.
ظلم
في قانون الأسرة:
بفعل
المناورات الشيطانية المرتكزة على الرشوة المالية وإعطاء المناصب الجالبة للأموال
والمصالح المادية، استطاع الرئيس سنغور تمزيق الجبهة الموحدة التي كانت تجمع زعماء
وسلطات الطوائف الدينية الذين عارضوا هذا القانون. وكان هؤلاء قد نشروا بيانا عاما
في 3 من يناير 1972 يحتوي على عشرين صفحة يستنكر هذا القانون الذي يناقض الكثير من
بنوده الشريعة الإسلامية. ولكن، في الوقت الذي كان فيه رئيس الدولة عميلا للكنيسة،
يتمتع بمساندة وتواطئ بعض من هؤلاء الزعماء والمسئولين المسلمين، كان هناك ورثة
حقيقيون لأعلام المسلمين يرفعون أصواتهم منتقدين الخيانة التي ارتكبها النواب
المسلمون لصالح هذا الأخير. وهنا، نتذكر، وبكل سرور، واحدا منهم وهو سرنج شيخ
غيندى فاطما الحفيد الأول للشيخ أحمد بمبا وكان هذا الأخير يوقع بعبارة: "
كلمة الله هي العليا" المقتبسة من الآية رقم 40 في السورة 9 .
في
الجزء المخصص لهذا النص في عمله الذي ذكر حول الأدب السنغالي باللغة العربية فان
الدكتور/ عامر صمب العالم الجامعي الذي كان على صلة وثيقة مع ليوبولد سيدار سنغور
يشير إلى: " إن الفكرة العامة لموقفه أنه كان، يعتبر باطلا وغير مقبول، هذا
القانون الذي في نظره معارض للتعاليم الإسلامية والسنة وإجماع علماء
المسلمين".
وهذه
بعض اللقطات الأساسية من النص، أوردها الأستاذ عمار صمب: " إني قرأت ما كتبت
في قانون الأسرة، الذي وضعته الحكومة السنغالية (...) لقد أعلنت قبل نشره بان هذا
القانون، لا أعتبره صحيحا، ولا أعتقد أنه يمكن فرضه على مجتمع إسلامي لأن أحكامه
تعارض الآيات القرآنية بكل تفاصيلها وكذلك السنة النبوية وتنتهك المبادئ الثابتة
لإجماع المسلمين، وخاصة في الأحكام المتعلقة بنظام الأسرة المرتبطة بالزواج
والطلاق والمواريث والكفالة والعلاقات بين الزوجين وحقوق الأولاد حيال آبائهم
(...) ".
ويتابع
حفيد سرنج طوبى قائلا: " إن مصدر القانون لمجتمع مسلم هو الله وحده. يجب
الرجوع إلى نصوص قرانه والى تعاليم نبيه. وليس لأي سلطان أن يتصدى للقرآن والسنة
أو أن يهمل القواعد المنقولة من المصدرين المقدسين، إذ إن هذه القواعد تتعارض مع
هذا القانون القابل للتغير من حين لآخر ولمكان لآخر (...) ".
يجب
التذكير بان القرآن وحي ثابت، عصمه الله من التغير. ونقرر كذلك بأنه منذ فجر
الإسلام إلى مطلع الألفية الثالثة توجد عشرات ومئات وآلاف، واليوم ملايين من
المسلمين حفظوا هذا الوحي الرباني في صدورهم. بهذه النقطة عن ثبوت القرآن يكمل
المرحوم سرنج شيخ غيند فاطما نصه: " (...) وينتج من وجوب الحكم لله وحده
خلاصتان: الأولى، وهو ثبوت القانون الإلهي، على الرغم من تغير الحكام وشروط الوجود.
وهذه الخاصية المعصومة ليست لهذا القانون الذي وضعته السلطات الحاكمة للدفاع عن
المبادئ التي يؤمنون بها ولخدمة النظام الذي ابتدعوه (...) والخلاصة الثانية، وجوب
احترام القانون الإلهي والإيمان به جملة لتجنب قبول جزء من القرآن ونبذ الجزء
الآخر (...) ومن بين أوامر نبي الله (...) تركت فيكم أمرين (...) كتاب الله وسنة
رسوله (...) لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (...).
سيدي
الرئيس! بعد أن تناولنا هؤلاء الأمجاد للسنغال وللإسلام الذين اقتفوا آثار آبائهم،
اسمحوا لنا الآن بأن نقول كلمة حول أسلمة وتنصير السنغال.
أسلمة
وتنصير السنغال:
وهل
يحتاج الأمر للتذكير؟ لقد بلغت رسالة الإسلام ضفاف نهر السنغال منذ النصف الثاني
من القرن السابع الميلادي بواسطة تجار وقوافل العرب التي كانت تجري بين إفريقيا
الشمالية وبين بلاد السودان في مناطق متفرقة.
وبخصوص
أسلمة منطقة جنوب الصحراء، غربي إفريقيا وخاصة فيما كان يحيط ببلاد السنغال
القديمة، فقد بدأت منذ القرن الثامن مع نشوء مملكة تكرور التي ورثت مملكة غانا حيث
بدأت هيكلتها القانونية تتخذ بصمات إسلامية منذ القرن التاسع.
تعني
"وا غادو" أي بلاد القطعان، هذه المملكة المتعددة الأديان حيث جاء الملك
الأول من الشرق (السنغال أو مالي الحديثة) كانت تشمل حدودها تقريبا الحدود الحالية
لدول السنغال ومالي وموريتانيا. وإذا صدقنا روايات السونينكيين الشفهية، فإن دخول
الإسلام إلى مملكتهم القديمة حصل رسميا بعد أربعة عقود من وفاة الرسول، بفضل بعثة
أرسلها القائد عقبة بن نافع في (622-683).
عرفت
مملكة تكرور الواقعة على أطراف حوض نهر السنغال الموجات الأولى التي دخلت الإسلام
منذ بداية القرن التاسع، بالتحديد تحت حكم سلالة " جا أوغو " الأولى. وكانت
بالأخص تحت حكم سلالة "مانا " التالية، حيث احتل الإسلام مكانة رسمية
دينا للدولة تقريبا، بعد إسلام الملك وار جابي بن رابيس، وكان مجلس الشورى يتكون
من متعلمين مسلمين. وكان هذا الملك أول سلطان تكرور أصبح الإسلام راسخا في ظل حكمه
وذلك بتطبيق الشريعة الإسلامية في إدارة شؤون الدولة. وعندما بدأ المرابطون في
الاستيلاء على بلاد تكرور في عام 1042، كان الإسلام قد دخل قلوب الشعوب في بلاد تكرور،
الاسم الذي كان المؤرخون والجغرافيون العرب يطلقونه على هذه المنطقة من القارة
السمراء التي سكنتها أولى أمة إسلامية سوداء. ومنذ وجود "تُنجنغ"
و"لام تيرمييس" و"لام تاغا" و"فاربا وللدي"
و"لام تورو" (البانا بروم سال) مرورا بـ": دينينكوبي" من
"كولي تينغلّ" قرابة (1512) الوثنيون المصرون على البقاء على وثنيتهم،
فإن السلالات التابعة لمملكة تكرور كلهم يمجدون، قل أم كثر، رسول الإسلام. أما حكم
سلالة "تنغلّ"، حين اتخذت المملكة اسم "فوتا تورو"، فقد ظل إلى
سنة 1776م تقريبا، حيث خلفته الإمامية ذلك النظام السياسي الذي تولد عن ثورة
"تورودو" الإسلامية.
ثورة "توربيّ" الإسلامية:
في
الجزء السابق "الموقف من الماسونية"، حيث كنا نقدم "لمحة عن
التاريخ السياسي للمستعمرة السنغالية"، أشرنا إلى هذه النقطة من التاريخ. وقبل المضي مع هذه الثورة التي فجرها الشيخ
سليمان بال والتي أنجزها خليفته الشيخ/ عبد القادر كان، فلنعد إلى "بلاد
السودان".
وعندما
توفي سليمان بال قام خليفته عبد القادر، الذي سيصبح الإمام فيما بعد، باعتماد
الإسلام "دين الدولة". ويمكن هنا، من منظور منهجية البحث العلمي، أن
نعزو "الإمامة" إلى تسلل سابق للفكر الشيعي "الإمامي" أو
"الجعفري" داخل محيط "بلاد التكرور". ومع ذلك يبقى بصورة
عامة، أن حماة هذا اللقب كانوا من أتباع الطريقة القادرية كما كانوا ينتمون إلى
المدارس الفقهية السنية.
ولدى
أدائه (عبد القادر كان) للقسم عند تسلم الإمامة، سيلتزم هذا الأخير بالوصايا
الشهيرة التي وضعها سلفه (سليمان بال): "إن
النصر مع الصبر... إني لا
أدري هل أموت
في هذا القتال أم لا! فإذا
مت فاطلبوا إماما عالما زاهدا لا يجمع
الدنيا لنفسه ولا
لعقبه، وإذا رأيتموه قد
كثرت أمواله فاعزلوه وانهبوا أمواله، وإذا امتنع من العزل قاتلوه واطردوه لئلا
يكون ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الآباء وولوا مكانه غيره
من أهل العلم والعمل من
أي القبائل كان
ولا تتركوا الملك في قبيلة خاصة
لئلا يدعوه وراثة بل ملكوا لكل مستحق".
وبطريقة
ثورية استطاع هذا النظام الجديد طي صفحة العبودية والنظام القديم المبني على
الطبقية والتحزب، ولتأسيس نظامه وتسييره، وبصورة صارمة، على المبائ الإسلامية من
قبيل الأهلية، الكفاءة وعلى "الشورى"، إلى أن اغتيل سنة 1807م من قبيل
متآمرين وثنيين، ومثلت مشاورة واستشارة كافة المواطنين - المنتخِبين، وليس على
أساس الوراثة أو المحاباة، الأسس المركزية لحكومة الإمام عبد القادر كانْ.
وعلى
مستوى منطقة "سنغامبيا" (منطقة ريبْ)، كان مابا جخُ باه (1809 1867م)
آخر من حمل لقب الإمام.
وعلى
غرار بلاد التكرور استقبلت بلاد السودان الرسالة الجديدة والثقافة الإسلامية بقلب
منشرح كما شهدت على ذلك الآثار العمرانية للمدن السودانية في كل من تمبكتو، غاو،
سيغو وجنّى وغيرها، كما يشهد على ذلك الأدب الشفهي والمكتوب.
بلغت
مملكة "سنغي"، التي ولدت على أنقاض كل من غانا ومالي، أوجها في عهد
الملك (منسا) الثاني الذي طبقت شهرته الآفاق وعبرت حدود الجزيرة العربية وأوربا.
وقد بقي حجه الشهير إلى مكة في المغرب وفي الشرق الأدنى أسطورة تروى على مدى
أجيال.
وخلال
هذه الرحلة الشهيرة برهن على سخاء حاتمي تجاه الشعوب المسلمة في المدن التي كان
يمر بها، كما كان يبني مساجد، وكان ينثر الذهب والفضة يمينا ويسارا. وبمعرض حديثنا
عن أنقاض غانا نتذكر خاصة سقوط أودغشت (1054م) والعاصمة الغانية "كومبى
صال" (1076)، والتي انهارت أمام تقدم محاربي المرابطين. ويجب التذكير هنا
بأنه لا يمكن فصل أسلمة منطقة جنوبي الصحراء لغرب إفريقيا عن ملحمة المرابطين،
وبالخصوص مملكة "جُلُفْ" التي خلفتها السنغال الحديثة.
ولدت
هذه الحركة الإسلامية المسلحة، التي قادها عبد الله ابن ياسين (توفي حوالي 1059م)
واثنين من تلامذته من قبائل البربر من اللمتون وهما يحيا بن عمر (توفي حوالي
1057م) وأخوه أبو بكر بن عمر، في محيط شبه جزيرة "تدرا" (شمالي
نواكشوط).
وللتاريخ،
نشير إلى أن أرملة أبي بكر بن عمر، تنتمي إلى التكرور، واسمها فاطمة سَلْ، هي التي
أنجبت "انجاجان انجاي" الذي انبثقت منه قبيلة "ولوف" ذات
الأغلبية في السنغال والتي حملت اسمه. يبقى أن نؤكد بأن ابن عمر قد سقط في أرض
"جُلُف" سنة (1087) بسهم مسموم أصابه في مقتل على يد محارب من قبيلة
"سرير" اسمه "أما كدُّ مات". ولا مندوحة من القول، على غرار
ما يحدث لجميع الآباء المؤسسين للممالك، بأـن ثمة رواية أخرى لنسب انجاجان انجاي،
وإن بقي عنصر نسبه إلى المرابطين ثابتا.
وحين
انتصرت مملكة جلف إبان القرن الثامن عشر على جميع الممالك المنافسة لها داخل منطقة
سنغامبيا كانت تترك بصمات إسلامية عميقة في كل المكونات الإجتماعية. ولنتذكر هنا
بأن السياق في تلك الفترة كان يتميز بتمدد التيار الصوفي وبالأخص الطريقة القادرية
للشيخ عبد القادر الجيلاني الذي كان يقوم بدور محوري في أسلمة منطقة جنوبي الصحراء
- غربي إفريقيا. وبفضل عمل هؤلاء الشيوخ الذين نجدهم داخل كل قبائل المملكة
(التكرور، الحسانيين، الفلان، السيرير، السوننكى، الماندينغ الخ). وكانت مملكة
جلف، في أوجها إبان القرن السادس عشر الميلادي، تمتد على رقعة واسعة تشمل أجزاء من
فوت تور ووالُ بركْ وكايورْ وبول وسين وسالوم وجزء من بامبوكْ وهو الأمر الذي أعطى
فرصة للانصهار البشري على نطاق واسع.
لكن
هذه المملكة تفتت بصورة تدريجية ابتداء من عام 1549م بعد وفاة "بوربَ
جلف" ليلى فوك انجاي الذي قتل أثناء معركة "دانكي" على يد أمر
انغونى سبل ابن دتشى فو تنجوغو فال، وهو الذي سيصبح أول "دَمّلْ" (ملك)
لمملكة "كايورْ".
سيدي
الرئيس! فلنأت الآن إلى عملية تنصير السكان السنغاليين الأصليين.
وبخلاف
عملية الأسلمية، فإن هذه ستبدأ حقيقة في منتصف القرن التاسع عشر. وسط جلبة
الاستعمار وأصوات المدافع من قبل المحتل. ولا بد من الإشارة إلى أن بعثات التنصير
الكاثوليكية لم تبدأ في التوجه بجهودها التنصيرية نحو المستعمرات الإفريقية الأخرى
إلا بعد الصعوبات التي لقيتها أثناء محاولتها تنصير الجزائر.
وبصورة
جزئية جرت محاولات في القرنين الخامس عشر والسادس لتنصير السكان المحليين المقيمين
في الشواطئ، ونشير خصوصا إلى أعمال المنصرين البرتغاليين الذين كانوا يغامرون
بمرافقة مواطنيهم الذين كانوا يجرون وراء خشب "أبين". وفي إطار جهدهم المشئوم
كانوا يستهدفون منطقة "كاز مانص السفلى" (جنوبي السنغال، الشاطئ الصغير،
بوبيغين، انغاسوبي، فاجوت، جوال) ثم "روفيسك". وتلا ذلك تحرك البعثة
الفرنسية التنصيرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر على مستوى المدن
الاستعمارية: غورى، سانت لوي، التي حملت اسم الشخصية التي قادت الحملة الصليبية
الثامنة.
إذا،
بدأ تنصير السكان السنغاليين الأصليين بصورة حقيقية منتصف القرن التاسع عشر حين
نجحوا في نصب بعض المعالم. وتمثل ذلك أساسا في تأسيس طائفة سين جوزيفينة 1819م
التابعة لمجموعة الرئيسة الأم آن ماري جافوتشي التي حولت المستشفى العسكري إلى
كنيسة صغيرة كما فتحت مدرسة لأبناء الخلاسيين. وفي سنة 1828 تم بناء كتدرائية
مدينة سان لوي إثر انطلاقة حملة استكتاب بدأت عام 1820م من قبل البارون روجيه،
وتلا ذلك بناء كنيسة القديس شارل في جزيرة غورى. وحين قام إيديت، بتاريخ: 28 مايو
1864م، بإنشاء "مؤسسة بلاد الهند" اضطر لـ: "ضم القساوسة الناصريين
إلى ممتلكاته لتلبية احتياجات تنصير السكان الأصليين وبناء كنائس في البلاد".
شكلت
مدينة "سان لوي" التي دخل عبرها المستعمرون إلى إفريقيا السوداء، نقطة
ارتكاز لدين الأوروبيين والإسلام على حد سواء. وبسبب حرصه على اكتساب أتباع من بين
المواطنين الأصليين، فهمت قيادة الكنيسة أهمية إيجاد رجال دين مسيحيين محليين من
أجل تكريس الوجود الفرنسي في المستعمرة. وبهذا باركت الرئيس الأم آن ماري جافو هيي
إرسال 25 شابا إلى باريس للتكوين. وبهذا ولدت أولى مجموعة من القساوسة المحليين
لدين المستعمر، وذلك في 19 سبتمبر 1840م عاد هؤلاء بعد تكوين دام عامين لدى مدرسة
تكوين القساوسة "سانت إسبري" في مدينة باريس. وكانت المجموعة تضم كلا من
جان بيير موسى والخلاسيين أرسين فريدوال ودافيد بوالا، وشكل هؤلاء نواة القساوسة
المحليين لأراضي مستعمرات فرنسا لإفريقيا الغربية. وقد ولد بوالا من أب فرنسي وأم
من "الخلاسيات"، بينما كان والد أرسين فريدوال يحمل الجنسية الإنجليزية.
وعند
عودته إلى سان لوي سنة 1842م اعتذر القسيس بوالا عن قبول عرض الحاكم لوي أدوارد
ويلاموتز لتولي إدارة التعليم، وفي العام التالي أنشأ مؤسسة للتعليم المتوسط بينما
كان القس فريدوال يقيم في جزيرة غورى حيث كان يتلقى العلاج. لكن تجربة القس بوالا
في إطار إحدى الإعداديات الكاثوليكية في السنغال لم تعمر طويلا لأن هذا المخادع قد
اتهم بالفساد الأخلاقي وبالتالي انسحب من التعليم سنة 1845م. كي يشبع رغباته من
"هذه الجميلات السنغاليات". ومن المهم أن نسجل من ناحية أخرى بأن أبواب
بلاط مملكة وال برك ستفتح على مصرعيها أمام هذا القس الذي لا يستحق التكريم بواسطة
خلاسي آخر اسمه شارل بيكار الذي كانت الملكة انداتى يل امبوج خالة له.
وفي
المدينتين الاستعماريتين دكار وغوري سنلتقي بالخلاسية آنا كولا بيبين تنسق حملة
جمع الأموال لصالح الكنيسة طيلة عقد 1840م مقدمة قطعة أرض لها في دكار هبة
للراهبات. وفي إطار هذه الحركة التنصيرية ستقوم الخلاسية لويز من سان لوي بتأسيس
طائفة كاثوليكية وذلك عام 1869م.
فلنسجل
هنا بأن بناء كاتدرائية مدينة سانت لوي قد بدأ مستهل عام 1827م وذلك ثلاث سنوات
قبل بداية احتلال الجزائر المسلمة والبالغ الصعوبة. بينما لم يتم وضع حجر الأساس
لمسجد هذه المدينة الاستعمارية (الذي يعرف اليوم باسم مسجد "نور" أي
الشمال) إلا بعد ذلك بعشرين سنة. ويبقى أننا ندين بناء أم الكاتدرائيات السنغالية
لتبرع ماسوني من أحد حكام سان لوي. لأنها أنشئت من قبل البارون روجيه وكذلك مبنى
مؤسسة (دار) "مرل وبروم"، الذي بقي طويلا المبنى الأضخم في المستعمرة
السنغالية. وبجهد البارون روجيه أيضا بدأ تكوين المجموعة الأولى للطليعة الإفريقية
داخل المدرسة الفرنسية. كما تم بجهوده إنشاء مدرستين للبنات في سان لوي وغورى خلال
عامي 1822م و1824م من قبل الراعية الأم جافويى بالإضافة إلى المدرسة الريفية
للبنات في مدينة دغانا. ومن هذه المدرسة أيضا انطلق دافيد بولا متوجها لفرنسا كي
يتكون فيها.
سيدى
الرئيس! اسمحوا لي هنا بأن أقول لكم كلمة عن دور "زبراليس".
عمل "زبراليس":
كما
يؤكد ذلك تقليد طويل من الرفض والتشهير، منذ "المجلس الإسلامي الأعلى"
عام 1959، إلى عام 2000م مرورا بـ: "الجبهة المتحدة" عام 1968م
والجمعيات الإسلامية في الثمانينيات، وجدت دائما جبهة عريضة من السنغاليين تنهض
إلى جانب الشعب في عمقه ضد إساءة استخدام الدستور العلماني. فلنذكر بأن
"المجلس الإسلامي" قد سقط تحت الضربات الموجعة التي كالها له رئيس
الدولة ومبعوث الكنيسة. كما لجأ هذه الأخير إلى مثل هذه المؤامرة الشيطانية لتمزيق
الصفوف الأمر الذي مكنه من القضاء على "الجبهة المتحدة" وفرض
"قانون الأسرة المشئوم". وكان على رأس هذا المجلس كل من الشيخ سعيد نور
تال، الشيخ فاضل تامبكى، والشيخ محمد البشير امبكى، وكان الشيخان أحمد امباكى
وإبراهيم انياس يحتلان منصب سكرتير المجلس، والشيخ عبد العزيز سي أمين الصندوق.
وكان الهدف الأساسي للمجلس يتمثل في السهر على ألا يكون الدستور مخالفا في أي شيء
القوانين الإسلامية. وعلى هذا الخط من الرفض وفضح الألاعيب، قام شباب
"زبراليس" (مجموعة مبادرة شعبية من أجل الاستفتاء على تطبيق الشريعة
الإسلامية". قام هؤلاء الورثة الأصلاء لمن يحملون راية الإسلام في هذا البلد
بطرح سؤالهم على من سيسقط الرئيس عبد جوف بمناسبة استفتاء عام 2001م الذي كان
سيحدد النظام الدستوري للجمهورية. وبالتحديد مع وثيقة العهد التي حملت عنوان
"إعلان عن علمانية الدولة" والتي يدعوا فيها هؤلاء الشباب إلى إلغاء
المادتين: الأولى والثالثة من الدستور.
إليكم
بعض المقتطفات: " (...) إذا كانت العلمانية تمثل في فرنسا نهاية تاريخ
كاثوليكي من الخصومة والصراع بين الكنيسة وبين الدولة منذ عام 1789م، لا يمكننا
قول الشيء ذاته عن السنغال. (...). يؤدى دستورنا، عن طريق انتهاك المعتقدات، إلى
نتائج وخيمة في حياة المواطنين (...)، يؤدي هذا الخيار المرضي إلى طمس معالم
توجهاتنا الكبيرة سياسيا واجتماعيا وتربويا
بصورة خاصة عن طريق الحد من أبعادها الدينية والقيمية والأخلاقية (...) يجب
التذكير هنا بأنه حين كان يتحتم اعتماد هذا الدستور الذي كان سيكرس العلمانية في
مادته رقم 1، طالب المرحوم الشيخ إبراهيم انياس الذي كان يؤازره المرحوم إبراهيم
سيد انداو الذي كان في حينه رئيس المجلس التأسيسي، باسم جمعية الزعماء الدينيين في
السنغال وخصوصا الحاج سعيد نور تال والشيخ امبكى انغايندى فاطم والحاج عبد العزيز
سي، بأن يتم إخضاع الدستور للاستفتاء نزولا عند أبسط مبادئ الديمقراطية.
وبقية
الوثيقة تعرب عن خيبة أمل هؤلاء الشباب السنغاليين بقدر ما هم عازمون على معركتهم
الإسلامية وبصورة ديمقراطية: "وعلى غرار ما نهض به سلفهم الصالح الذين شرف
بهم الإسلام، فإن مجموعة "زبراليس" تلتزم بطرح هذه العلمانية المكرسة
دستوريا على مائدة الحوار. وبالتحديد عن طريق شورى مباشرة لسكان البلاد. وفي هذا
المسار سيشكل إلغاء المادتين والثالثة من الدستور ووضع الإسلام في الاعتبار ضمن
التوطئة، وكذلك الأمر بالنسبة للإعلانين الصادرين في 1789م و1948م، المعالم
البارزة في طريق المصالحة بين الشعب وبين مؤسساته.
ولهذا
تدعو "زبراليس" جميع المواطنين السنغاليين إلى المشاركة في حركة واسعة
للاستفتاء والتى ستجعل من الدستور انعكاسا للاعتقادات الراسخة لدى الشعب.
للقيام
بهذا، ستعتبر "زبراليس" نفسها طليعة وطنية من أجل ممارسة حق ديمقراطي
أولية: إبداء الرأي حول القيم المؤسسة للقانون الأساسي".
من
المهم أن نسجل بأن هؤلاء الشباب "زبراليس" يدعون ميراث سلفهم الذين لم
يكفوا يوما، من بداية الاستعمار إلى الفترة الاستعمارية الحالية، عن المجاهدة من
أجل انتصار مبادئ الإسلام.
الخلاصة:
سيدي
الرئيس! منذ الإعلان عن استقلال السنغال إلى يومنا هذا لم يتم إخضاع قانوننا
الأساسي لعملية شورى وطنية، ولا لنقاش جماهيري، وبالأخص فيما يتعلق بهذه
"المادة الأولى" العرجاء التي تجعل من هذه البلاد "حمهورية
علمانية" والفرنسية لغة رسمية لها. إذا، لقد آن الأوان لرفع هذا الحيف من أجل
"إعادة تأسيس الجمهورية" وبذلك نحقق للسنغاليين مطلبا عاديا بأن يعبروا
وبصورة حرة وواضحة حول نوعية النظام السياسي الذي يناسبهم "جمهورية
دستورية"، "جمهورية إسلامية"، "جمهورية كاثوليكية"، "جمهورية
إمامية برلمانية"، "دمالية دستورية"، الخ. أو أن يعربوا عن وجهة
نظرهم حول طبيعة التشريع الذي يجب أن ينظم حياتهم. تشريع علماني، يميز بين
"المجتمع المدني" وبين "المجتمع الديني" في الدولة، أو نظام
تشريعي ديني شامل. وبطبيعة الحال فبإمكان الشعب السنغالي أن يختار كذلك وبكل حرية
اللغة الرسمية للبلاد: الفرنسية، العربية، الإنجليزية، الصينية، أو أخرة؟
سيدى
الرئيس! إن التعنت في استبعاد أية إشارة مرجعية للإسلام في الدستور لشعب تتجاوز
نسبة المسلمين فيه 97%، تمثل خديعة بقدر ما هي عمى سياسي.
سيدى
الرئيس! فإن قناعتنا الراسخة هي أن التطلع العميق لأغلبية الشعب السنغالي ليس
انتهاك حرمة أو تقديس المجال العام، لكن أن يعيشوا الإسلام بصورة شاملة مع
الابتعاد قدر الإمكان عن نواهيه. شئنا أن أبينا فإن الإسلام هو الذي يمثل الغذاء،
الديني، الروحي، الثقافي والأخلاقي لحياة هذه الأغلبية الساحقة من السنغاليين.
إن
القضية الحيوية لا تتمثل، سيدى الرئيس، في تأكيد إسلامية شعبنا والنص على ذلك في
قانوننا التأسيسي، بقدر ما هي كامنة في إقامة دولة القانون وضمان العدالة
الاجتماعية لكافة مواطنينا والمساواة والحريات الأساسية. وبطبيعة الحال فإن
المطلوب ليس وجود حريات تتعارض مع المبادئ الدينية التي يتقاسمها أكثر من 99% من
السنغاليين. (استهلاك الخمور بصورة علنية، ألعاب اليانصيب، الدعارة، الشذوذ
الجنسي، الخ).
سيدى
الرئيس! لقد تمنينا لكم أكبر نجاح في هذه المهمة النبيلة التي كلفكم بها فخامة
رئيس الجمهورية. وفي اختتامها نأمل أن يستجيب السنغاليون لدعوتكم أفواجا، وأن تجعل
لجنتكم من احترام الرأي العام مسألة شرف. فنحن لا نتمنى لكم النجاح الباهر فحسب،
وإنما نضم صوتنا، سيدى الرئيس، إلى صوتكم لنوجه نداء حارا إلى جميع القوى الحية في
السنغال ممن يدعون الانتماء إلى الإسلام بأن يكونوا طرفا في هذه الشورى الوطنية.
ونوصيهم بأن يحددوا في الاستبيانات التي ستسلم إليهم تطلعهم الشديد إلى أن تتم
مواءمة قوانين وتنظيمات بلادهم مع الإسلام. الإسلام الذي ليس مجرد "دين"
بالمعنى الغربي للمصطلح لكنه "التصور" الذي لا يدانيه شيء والذي يجب أن
يحدد كل سلوكنا - على المستويين الفردي والجماعي - وأن يكون بمثابة منهج للحياة
كامل يحتوي على البعد الديني، الأخلاقي، الروحي، الاقتصادي، الاجتماعي، القانوني،
العسكري، الخ,
سيدى
الرئيس! فلقلها صريحة مدوية، نأمل ألا يصدق ظن المتشككين والمتشائمين الذين يرون
بأن مصير نتائج هذه الشورى الوطنية سيكون في أدراج دواليب قصر من طلب هذا العمل
المشكور.
كنا
ذكرنا، أعلاه، بهذه الملاحظة التي تم التأكد من ثبوتها سياسيا "إن أفضل طريقة
لوأد قضية ما هو أن نسندها إلى لجنة". وأما نحن، سيدى الرئيس، فإننا نرفض أن
يكون كل هذه الضجة جعجعة ولا طحين وللإلهاء فقط. ولن يتم القيام لا بالاستفتاء ولا
بإعادة تأسيس جمهورية السنغال في ظل فترة حكم من طلب هذا العمل.
سيدى
الرئيس! فحين نكرر أمنياتنا لكم بالنجاح، نأمل أن تتقبلوا أسمى تقديرنا.
"
( ...) والله نسأل أن يكون لنا عونا وان ن يبارك فينا جميعا"!
بابا شيخ جِمبِرَ ساخو
ناشر- كاتب
البريد
اللإلكتروني: Pcsj2003@yahoo.fr
الرابط:
papacheikh-jimbirasakho.com
دكار
في: 1 رمضان، 1434هـ / 10 يوليو 2013م
[1] وكلمة "أخـوات"
كلمة خـاصة للماسونية. وهـي تـدل على الأعــضاء النسويـيـن.
[2] كما جاء في اللغة
الألوفـية "yeleefu nit" أو"yeleefu doomu Adama"